غزة: جسور ـ رأي
تعتبر شريحة الأطفال الذين يعانون مرض “التوحد” في قطاع غزة إحدى أكثر الفئات التي تضررت جراء العدوان الإسرائيلي المستمر على القطاع منذ أكثر من عام، نظرا لخصوصية هذه الشريحة وتهميشها بحسب الأهالي والمختصين.
وتقدر الأوساط الفلسطينية المهتمة بهذه الفئة وجود حوالي ١٥٠٠ طفل في قطاع غزة يعانون طيف اضطراب التوحد بكل أنواعه في ظل غياب أي متابعة لهم من الجهات الحكومية أو غير الحكومية.
وتكمن خطورة تهميش هذه الفئة كونها غير مصنفة في القانون الفلسطيني (كأصحاب إعاقة) نظرا لعدم وجود تشريع بذلك وغياب أي مؤسسة حكومية ترعاهم، في حين أن خدمات المقدمة من قبل المؤسسات الخاصة مرتفعة التكاليف، ولا يقدر عليها أهالي الأطفال المرضى.
وفي اليوم العالمي للإعاقة الذي يوافق الثالث من كانون الأول/ ديسمبر من كل عام فتحت “قدس برس” ملف هذه الفئة المهمشة إلى حد بعيد، لا سيما من قبل الجهات الرسمية.
وتقول والدة الطفلتين زينب واعتدال اللتين تعانيان اضطراب طيف التوحد أنه منذ بداية الحرب قبل ١٤ شهراً ونزوحهم من بيتهم في حي “تل الهوا” جنوب غرب مدينة غزة والمعاناة تزداد في تلبية احتياجات طفلتيها سواء النفسية أو الطبية.
وأضافت الرديسي في تصريح صحفي قائلة إن “أطفال التوحد يحتاجون إلى رعاية خاصة؛ وكنت قبل الحرب أرسلهم إلى مركز خاص يتابع حالتهم بتكلفة أربعمئة دولار شهريا وهو عبء مالي كبير”.
وأضافت “لكن اليوم، وبعد توقف هذا المركز؛ بسبب الحرب اضطررت القيام بدوره للمتابعة معهم، حتى لا تتفاقم حالتهم، إلا أنها تفاقمت؛ لأنني غير متخصصة”.
واعتبرت الرديسي أن أصعب ما تعانيه خلال الحرب هي عملية النزوح حيث يحتاج الأطفال إلى رعاية خاصة، ومتابعتهم على نحو دقيق، حتى لا يتعرضوا لأي أذى”.
أما الطفل يوسف الشوا، فحالته ساءت إلى حد بعيد خلال الحرب، دون أن تتلقى عائلته أي متابعة أو دعم حول كيفية التعامل معه.
ويشرح والد الطفل الشوا في تصريح صحفي، كيف حاول خلال الحرب الحد من تفاقم حالة ابنه مع استمرار القصف وسماع أصوات الانفجارات والنزوح من مكان إلى آخر.
وتعتبر حالة الطفلة ندى عريف (١٤ عاما) من أصعب حالات التوحد وأشدها حيث تعاني عدم القدرة على المشي وفقدان التوازن والصراخ المستمر؛ وعدم التحكم في الإخراج.
وقال محمد عريف والد الطفلة ندى “أجد نفسي عاجزا على تقديم شيء لبنتي وهي طريحة الفراش جراء المرض، بعد انهيار المنظومة الصحية في غزة، وأنا أرى بنتي تموت أمامي”.
وأكد أنه يجتهد هو وزوجته لمتابعة ابنته في تجاوز هذه الحالة وعدم تفاقمها، مشيرا إلى أن قبل الحرب كان يخصص ميزانية لها لا سيما شراء حفاضات كبيرة الحجم لها نظرا لعدم تحكمها في الإخراج؛ وهي غير متوفرة حاليا ولو توفرت، فإنه لا يمكنه شراؤها بعد توقف عمله في البناء منذ الحرب. وفق قوله.
ويقول محمد الغول المختص في متابعة حالات أطفال التوحد، إن هذا النوع من الحالات يحتاج متابعة خاصة ومتواصلة وهي غير متوفرة خلال الحرب.
وأضاف الغول إنه “بعد توقف الحياة في غزة منذ بدء الحرب قبل ١٤ شهرا وإغلاق كافة المدارس الخاصة والمراكز والمؤسسة اضطر الأهالي لمتابعة حالة أطفالهم، حتى لا تتفاقم، إلا أنها تفاقمت”.
وقد سُجِّل استشهاد عدد من هؤلاء الأطفال خلال الحرب على غزة نتيجة هربهم وفقدانهم، لا سيما خلال عمليات النزوح وهم الفئة الأكثر ضعفاً.
ويعتبر الطفل محمد الشامي الذي يبلغ من العمر (١٣ عاما) أحد هؤلاء الأطفال ونموذجا ممن تفاقمت حالتهم خلال الحرب، حيث اضطرت عائلته المخاطرة وإحضار أخصائي له على نفقتها الخاصة لمتابعته شمال قطاع غزة، رغم المخاطر التي كانت تحدق بهم.
وقالت إيمان الشامي والدة الطفل محمد لـ “قدس برس” إنه “بعد أشهر من اندلاع الحرب، ونحن نرى تراجع حالة ابننا محمد… تواصلنا مع أحد الأخصائيين الذي كان يتابع محمد قبل الحرب من أجل إعطائه جلسات”.
وأضافت “بحمد الله وافق الأخصائي مشكور ا أن يأتي إليه وهو – يقطن مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة، ونحن نسكن في حي الصبرة جنوب المدينة – لكي يعطيه جلسات بواقع ٤ ساعات يوميا للتخفيف من حدة ما تعرض له”.
وأضافت “لاحظنا تحسنا لدى محمد مع الجلسات، ولكن بعد ذلك اعتذر ذلك الأخصائي؛ نظرا للمخاطر التي تواجهه خلال قطعه مسافة ٥ كيلو متر يوميا للوصول إلى بيتنا وصعوبة الوصول أحيانا أخرى؛ بسبب عدم توفر المواصلات لتعود حالته للانتكاسة مجدداً”.
وأكدت أنها تحاول هي ووالده وأشقائه قدر المستطاع الحد من تفاقم حالة محمد “ضمن برنامج تعليمي وترفيهي له إلى حين وقف الحرب كي يعود إلى مدرسته إن كانت قد بقيت ولم يدمرها الاحتلال كما دمر كل شيء في البلد” وفق قولها.
ومن جهته تحدث إسلام بركات مدير مركز “الإرادة لاضطرابات التوحد” عن الضغوط التي تعرضت لها هذه الشريحة خلال الحرب، والتي انعكست على عوائلهم التي تحتضنهم كذلك في ظل غياب أي رعاية أو متابعة من أي جهة كانت سواء رسمية أو غير رسمية.
وقال بركات لـ “قدس برس” إن “ما تعرضت له فئة أطفال التوحد في قطاع غزة يفوق ما تعرضت له أي فئة أخرى من أصحاب الاحتياجات الخاصة؛ نظرا لعدم تدخل أي جهة رسمية أو غير رسمية لدعمهم ماديا ونفسيا وطبيا”.
وأضاف “أنا يوميا أتلقى عشرات الاتصالات من أهالي هذه الفئة، وأحاول التخفيف عنهم من خلال توجيههم هاتفيا كيف يتعاملون مع أطفالهم بشكل عام ووقت الأزمات كالقصف والنزوح والجوع”.
وأكد أن هذا التدخل لا يؤثر إلا قليلا، فهم بحاجة إلى متابعة متواصلة. وحذر مدير مركز الإرادة لاضطرابات التوحد من تفاقم حالة الأطفال أكثر بحيث يصبح عالجها غاية في الصعوبة مع مرور الأشهر وكبر هؤلاء الأطفال؛ لأن التدخل المبكر معهم من أهم سمات علاجهم وشفائهم.
أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية بغزة أن الاحتلال دمر بشكل تام المنظومة الصحية بغزة، ويمنع سفر ذوي الاحتياجات الخاصة لاستكمال علاجهم بالخارج.
وقال المدير العام في وزارة الصحة محمد أبو سلمية، في مؤتمر صحفي إن الاحتلال “دمر بشكل تام المنظومة الصحية في قطاع غزة، بما في ذلك المستشفيات التي تقدم الرعاية لذوي الإعاقة في القطاع”، مضيفا أن الاحتلال “لا يزال يمنع سفر المعاقين من استكمال علاجهم بالخارج”.