خاص لـ جسور
تعتبر جمهورية مصر العربية حقوق ذوي الإعاقة من القضايا الإنسانية التي توليها أهمية كبيرة، حيث عملت مصر دائما على دعم هذه القضية على كافة المستويات الوطنية، والإقليمية، والدولية، وبذلت جهودًا متواصلة لتحسين أوضاع ذوي الإعاقة وتعزيز حقوقهم. وقد تبلورت هذه الجهود في العديد من الإجراءات والسياسات التي تهدف إلى ضمان حياة كريمة ومستقبل أفضل لهذه الفئة الهامة من المجتمع.
اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة
لذا، فقد سعت مصر إلى تعزيز حقوق ذوي الإعاقة على الصعيد الدولي من خلال المشاركة في صياغة الاتفاقيات والمعاهدات التي تضمن حقوقهم وتؤكد على أهميتها، وهو ما توج في عام 2007 بانضمام مصر إلى اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة، فهذه الاتفاقية تعد حجر الزاوية في مجال حقوق المعاقين، حيث تركز على منع التمييز ضد ذوي الإعاقة وتوفير الفرص المتساوية لهم في جميع المجالات. كما أن مصر قد انضمت إلى البروتوكول الاختياري لهذه الاتفاقية في 2008، ومن خلال هذا الالتزام، تبرز مصر كداعم رئيسي لحقوق الإنسان في المنطقة العربية.
وتحتفل مصر سنويًا باليوم العالمي لذوي الإعاقة الذي يُصادف 3 ديسمبر من كل عام، وذلك تحت رعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي، وهو حدث مهم يعكس اهتمام الدولة الكبير بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة. ويمثل هذا اليوم مناسبة لتعزيز الوعي المجتمعي حول التحديات التي يواجهها ذوو الإعاقة وضرورة توفير بيئة شاملة تدعم مشاركتهم في الحياة العامة. ويتضمن احتفال مصر بهذه المناسبة العديد من الفعاليات والأنشطة التي تُنظم على مختلف المستويات، سواء على مستوى الحكومة أو المنظمات المدنية، يتم خلالها تسليط الضوء على الإنجازات التي تم تحقيقها في مجال حقوق المعاقين، فضلاً عن الإعلان عن المبادرات والبرامج الجديدة التي تهدف إلى تحسين حياة ذوي الهمم، كما يتم تكريم بعض الشخصيات من ذوي الهمم إضافة إلى الشخصيات التي قدمت إسهامات بارزة في دعم حقوق ذوي الإعاقة، وذلك في إطار تقدير الدولة لدورهم الفاعل.
تدشين المجلس القومي للأشخاص ذوي الإعاقة
كما شهد عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي تأسيس المجلس القومي للأشخاص ذوي الإعاقة عام 2019. ويعتبر هذا المجلس الهيئة الوطنية التي تشرف على متابعة وتنفيذ السياسات والبرامج الخاصة بالأشخاص ذوي الإعاقة في مصر. كما يختص بتقديم الدعم والرعاية لهذه الفئة، وكذلك التوعية بحقوقهم في مختلف المجالات مثل التعليم، والعمل، والصحة، والمشاركة الاجتماعية. ويعمل المجلس القومي لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة على تيسير وصولهم إلى الخدمات العامة والخاصة ويعزز من قدراتهم على المشاركة الفعالة في المجتمع. كما يقوم بمتابعة تنفيذ السياسات الحكومية ذات الصلة وتقديم التوصيات التي تساهم في تطوير حياة ذوي الإعاقة.
اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان
إلى جانب المجلس القومي للأشخاص ذوي الإعاقة، تشارك اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان التي تترأسها وزارة الخارجية بشكل فعال في مراقبة وحماية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة. وقد لعبت اللجنة دورًا بارزًا في التأكد من التزام الدولة بتطبيق الاتفاقيات الدولية والتشريعات المحلية المتعلقة بحقوق المعاقين. كما تعمل اللجنة على متابعة تطبيق الإجراءات التي تضمن تحسين ظروف الحياة للأشخاص ذوي الإعاقة، وتساهم في إرساء مبدأ العدالة الاجتماعية من خلال رفع الوعي بمشاكل هذه الفئة.
في ذات السياق، فلقد شهدت البنية التحتية في مصر تطورًا ملحوظًا في السنوات العشر الأخيرة، وذلك لتيسير حياة ذوي الإعاقة. فقد تم تعديل الكثير من المنشآت العامة والخاصة لتكون أكثر توافقًا مع احتياجات الأشخاص ذوي الإعاقة. كما تم تزويد المرافق العامة مثل المحطات، والمراكز التجارية، والمستشفيات، والمرافق الحكومية بالمنحدرات المخصصة للكراسي المتحركة، إضافة إلى توفير وسائل النقل العام التي تسهل تنقل المعاقين.
تطوير التعليم وتحسين الرعاية الصحية
كما عملت الدولة على تحسين مستوى الرعاية الصحية والتعليم للأشخاص ذوي الإعاقة، حيث تم تطوير مدارس خاصة وبرامج تعليمية تدعمهم في استكمال تعليمهم، فضلا عن تطوير خدمات الرعاية الصحية الخاصة بهذه الفئة، مع توفير العلاج الطبي والتأهيل النفسي والبدني.
ونلفت النظر هنا إلى تشريع مصري معمول به منذ حوالي 4 عقود في إطار دعم حقوق ذوي الإعاقة وتعزيز مشاركتهم في مختلف قطاعات العمل، حيث نص القانون المصري على إلزامية تعيين نسبة 5% من العاملين في الأجهزة الحكومية والمؤسسات العامة من ذوي الإعاقة. ولقد أتى هذا التشريع كجزء من الجهود الرامية إلى تعزيز فرص العمل لذوي الإعاقة، وتوفير بيئة عمل عادلة تضمن لهم حقوقهم في المشاركة الفاعلة في بناء المجتمع. ويهدف هذا القانون إلى تحقيق الدمج الكامل للأشخاص ذوي الإعاقة في سوق العمل، وتمكينهم من الحصول على فرص عمل مناسبة في المجالات التي تتناسب مع قدراتهم ومؤهلاتهم. كما يعمل على الحد من التمييز الوظيفي، ويشجع الشركات والمؤسسات الخاصة على فتح أبواب العمل أمام ذوي الإعاقة. من خلال هذا التشريع، تُظهر مصر أسبقيتها في التزامها العميق بتحقيق المساواة وتوفير الفرص للجميع دون استثناء، مما يسهم في بناء مجتمع أكثر شمولًا وتوازنًا.
دعم الرياضيين ومسارات اكتشاف الأبطال
وتعد مصر من الدول الرائدة في دعم الرياضيين المعاقين، حيث قدمت لهم كافة أشكال الدعم والتشجيع على مختلف الأصعدة، سواء كان ذلك من خلال تقديم التدريب المتخصص أو توفير التجهيزات الرياضية المناسبة لهم، وهو ما انعكس في تحقيق العديد من الإنجازات البارزة في دورة الألعاب البارالمبية (أولمبياد المعاقين)، حيث استطاع الرياضيون المصريون تحقيق ميداليات متنوعة في مختلف الألعاب الرياضية، وآخرها دورة باريس 2024 التي حققت فيها مصر 7 ميداليات متنوعة، وتعتبر هذه الإنجازات مثالاً حيًا على قدرات وإمكانات الرياضيين المصريين، كما تعكس التزام الدولة بتوفير بيئة رياضية مناسبة تساعدهم على التفوق والتميز.
التعاون الدولي.. وبخاصة مصر والكويت
وينبغي أن أشير هنا إلى ترحيب مصر بالتعاون مع كافة الدول في مجال حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وفي مقدمتها دولة الكويت الشقيقة، حيث يمثل التعاون بين الدول في ذلك المجال أحد الركائز الأساسية في تعزيز الجهود العالمية لتحقيق العدالة والمساواة لهذه الفئة، علما بأن كل من مصر والكويت يتبادلان الخبرات والممارسات الجيدة في مجال حقوق ذوي الإعاقة إلا إننا نطمح لتطوير ذلك التعاون ليشمل تنظيم فعاليات مشتركة مثل ورش العمل التي تهدف إلى رفع مستوى الوعي وتحقيق تحسينات على المستوى الإقليمي في حياة ذوي الإعاقة، وكذا بتطوير مشاريع مشتركة تهدف إلى تحسين التعليم والرعاية الصحية لذوي الإعاقة، وتعزيز فرص العمل لهم.
ختاما، إن مصر بفضل جهودها المستمرة وتطور سياساتها وتشريعاتها، تظل في طليعة الدول الساعية لتحقيق حقوق ذوي الإعاقة، مما يساهم في إرساء مجتمع أكثر عدلاً وشمولًا. تلك الجهود هي تأكيد على التزامها القوي بالمبادئ الإنسانية والمساواة بين جميع فئات المجتمع، وتحقيق الرفاهية لهم في جميع المجالات، والتزامها بتوفير حياة أفضل ومستقبل أكثر إشراقًا للأشخاص ذوي الإعاقة.
السفير أسامة شلتوت
سفير جمهورية مصر العربية لدى دولة الكويت