لندن- جسور- فاطمة الزهراء بدوي
تتصاعد في بريطانيا، أصوات تنادي بتحمل المجتمع لمسؤوليته، تجاه ذوي الإعاقة، من خلال تمويل عادل ومستدام، يضمن المساواة على مستوى جماعي، لا فردي فقط. هذه الأصوات تأتي من داخل مجتمع ذوي الإعاقة، الذي يعاني من عزلة متزايدة وشعور متجذر بالقلق واليأس.
يروي عدد من الأشخاص ذوي الإعاقة أنهم يشعرون يوميًا بالقلق الشديد من مغادرة منازلهم. هذا القلق يأتي من مخاوف حقيقية بشأن ما قد يواجهونه في الشارع أو المتاجر من إساءات لفظية أو عنف أو نظرات دونية. بعضهم لا يخرج من بيته لشهور طويلة بسبب مزيج من القلق، وصعوبات التنقل، والتجارب المؤلمة السابقة.
جانب آخر من المعاناة يتجلى في الإحساس المنتشر لدى بعض الأشخاص غير المعاقين بأن ذوي الإعاقة يحصلون على “امتيازات زائدة”. هذه النظرة التي يصفها البعض بالغيظ الاجتماعي تُغذي خطابًا مؤذيًا وغير دقيق، وتزيد من الفجوة بين الطرفين بدلًا من أن تردمها.
الكاتبة والناشطة البريطانية “بيني بيبر”، والتي تُعد واحدة من الأصوات الأدبية والحقوقية البارزة منذ عهد مارجريت تاتشر، تُعبر عن خيبة أملها من بطء التغيير. فعلى الرغم من مرور أكثر من خمسين عامًا على انطلاق حركة حقوق ذوي الإعاقة والفنون المصاحبة لها، إلا أن الإعاقة لا تزال تُعامَل كمشكلة هامشية بدلًا من كونها واقعًا إنسانيًا مشتركًا.
تشير بيبر إلى أن بعض الأفراد من ذوي الإعاقة يصلون إلى الإعلام السائد، لكن يُحتفى بهم عادةً باعتبارهم “استثناءً ملهمًا”، لا كأناس عاديين يستحقون تمثيلًا طبيعيًا ومتكافئًا. مثل هذه النظرة، بحسب بيبر، لا تكرس إلا مزيدًا من العزلة والإقصاء، وتجعل من الدمج الحقيقي أمرًا بعيد المنال.
الخطير في الأمر أن هذا الإقصاء يُمهد الأرض لنقاشات مقلقة مثل تقنين القتل الرحيم. تؤكد بيبر أن جزءًا من غير المعاقين يظن أن الحياة بإعاقة لا تستحق أن تُعاش، بسبب غياب الصور الواقعية لحياة ذوي الإعاقة، وهي حياة مليئة بالتحديات، لكنها أيضًا مليئة بالإبداع والقدرة على العطاء.
الأزمة لا تقف عند حدود التمثيل الثقافي أو الخدمي. ولكن هناك بُعد سياسي واقتصادي خطير، تُلخصه بيبر في أن “تقليص قدرة ذوي الإعاقة على الاستقلال هو فعل غير إنساني وغير عقلاني اقتصاديًا”. وتضيف أن تقليص الدعم المجتمعي ليس فقط ظلمًا، بل غباء اقتصاديًا، لأنه يحدّ من مساهمة فئة ضخمة في الحياة العامة.
تصاعد هذه النبرة الساخطة يتزامن مع خطاب بارد وعديم التعاطف داخل البرلمان البريطاني، ما يجعل كثيرين يشعرون بأنهم يُعامَلون كمجرد أرقام، أو كـ”عبء زائد” يمكن التخلّص منه في أوقات الأزمات.
ومع ذلك، لا تزال بيبر، ومن خلفها شبكة واسعة من الناشطين والمتضامنين، تؤمن بأن الكفاح لم ينتهِ. وترى أن أزمة ذوي الإعاقة ليست قضية فئة محددة، ولكنها شأن مجتمعي شامل، يمس كل شخص في لحظة ما من حياته، أو في حياة من يحبهم.
في ختام مقالها الذي نُشر في Byline Times، تدعو بيبر الجميع للاستعداد، لأن الواقع يُشير إلى أن الإعاقة ليست حالة فردية نادرة، ولكنها جزء من التجربة البشرية الدائمة، وأن إقصاء ذوي الإعاقة اليوم، هو تمهيد لإقصاء آخرين غدًا.