ساهمت التشريعات المتعلقة بحماية وتمكين ذوي الإعاقة، والتي أقرتها جمهورية مصر العربية، في رد الاعتبار لفئة ذوي الإعاقة، وبات يُنظر إلى الإساءة والتنمر ضد ذوي الإعاقة على أنها «خط أحمر» لا يُقبل تجاوزه.
فقد أقرّ قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة فرض غرامة تصل إلى 200 ألف جنيه، على كل من ينشر أو يروّج أو يعرض محتوى مسيئًا تجاه هذه الفئة، أو يجعل من إعاقتهم مادة للسخرية والاحتقار، سواء عبر وسائل الإعلام التقليدية أو المنصّات الرقمية أو أي وسيلة نشر أخرى.
حيث ألزم المشرّع جهة النشر بمنح الضحية أو ممثله القانوني حق الرد والتصحيح في نفس الوسيلة الإعلامية، وبنفس المساحة أو الزمن، في خطوة تعكس التزام الدولة بمبدأ الإنصاف الإعلامي.
عقوبات مشددة
لا تقتصر العقوبات على الغرامة المالية فحسب، بل يتضمن القانون تعويضًا قانونيًا، ويحمّل الكيان الناشر مسؤولية مباشرة، مع إلزامه بمنح المتضرر حق الرد.
وتنص المادة (46) من القانون على أن أي شخص أو طفل من ذوي الإعاقة يُعد معرضًا للخطر إذا مُسّت كرامته أو حُرم من الرعاية أو المساواة، لا سيما في حالات الإهمال، التمييز في التعليم أو العمل، العنف الأسري أو المؤسسي، أو العزل دون سند قانوني، كما يُجرّم القانون إجراء أي تجربة طبية أو علاجية دون موافقة قانونية، مؤكدًا أن حقوق ذوي الإعاقة «غير قابلة للتجاوز».
أما المادة (19) فقد ألزمت مؤسسات التأهيل بمنح شهادة تأهيل معتمدة مجانًا من وزارة التضامن الاجتماعي، تُعد وثيقة أساسية لضمان حقوق التوظيف والدمج المجتمعي، على أن تُسلم لولي الأمر أو الممثل القانوني في حالة عدم أهلية الشخص.

جهود مكافحة التنمر وتمكين ذوي الإعاقة
التشديد التشريعي الأخير يندرج ضمن مسار طويل من الجهود المصرية لتعزيز حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، سواء عبر القوانين أو من خلال التمكين العملي في مؤسسات الدولة والمجتمع.
تشريعات شاملة للحقوق
شكّل صدور القانون رقم 10 لسنة 2018 بشأن حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة محطة محورية، إذ وضع إطارًا قانونيًا شاملاً لحماية الحقوق المدنية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية لهذه الفئة، وضمان دمجهم في مجالات الحياة كافة.
ومن أبرز ما نص عليه القانون:
تخصيص نسبة لا تقل عن 5٪ من الوظائف للأشخاص ذوي الإعاقة.
تهيئة المباني العامة ووسائل النقل لتكون ميسّرة.
توفير إعفاءات جمركية وضريبية على الأجهزة التعويضية.
الحق في التدريب والتأهيل وفرص عمل عادلة.
تعزيز مشاركتهم في الانتخابات والأنشطة الثقافية والإعلامية.
المجلس القومي لشؤون الإعاقة
ولضمان التطبيق، تأسس المجلس القومي لشؤون الأشخاص ذوي الإعاقة كجهة تنسيقية تتابع تنفيذ التشريعات، وتشرف على المؤسسات الحكومية والخاصة، وتراقب تطبيق معايير الإتاحة، كما يعمل المجلس على تفعيل لغة الإشارة في المؤسسات العامة والإعلامية، ودعم قدرات الجهات للتعامل باحترافية مع قضايا الإعاقة.

تمكين سياسي وإعلامي
على المستوى السياسي، شهدت مصر تعيين عدد من الأشخاص ذوي الإعاقة في البرلمان بغرفتيه، مجلس النواب ومجلش الشورى، ليكون لهم صوت مباشر في صياغة السياسات والقوانين، بشكل عام، وليكونوا شركاء في سن التشريعات الخاصة بفئة ذوي الإعاقة.
أما في الإعلام، فقد أتاحت الدولة الفرص لبعض الكفاءات من الشباب ذوي الإعاقة لتقديم برامج تلفزيونية، إلى جانب تخصيص نشرات إخبارية تقدم بلغة الإشارة، ما يعزز من دمجهم وكسر الصور النمطية السائدة.
مبادرات للتوعية والمشاركة
إلى جانب التشريعات، أطلقت وزارة التضامن الاجتماعي وجهات أخرى حملات توعية لمكافحة التنمر في المدارس والإعلام ووسائل التواصل الإجتماعي، وأسهمت هذه المبادرات في رفع مستوى الوعي، ودفعت إلى مشاركة أكبر للأشخاص ذوي الإعاقة في البرامج التدريبية والأنشطة المجتمعية.
مسار متكامل للتمكين
بهذه المنظومة، تسعى مصر إلى الجمع بين العقوبات الرادعة التي تصل إلى 200 ألف جنيه ضد المتنمرين، وبرامج التمكين العملي التي تتيح لذوي الإعاقة فرصًا متكافئة في العمل والإعلام والسياسة، لتبرهن الدولة بذلك أن حماية هذه الفئة ليست مجرد نصوص قانونية، بل واقع يُترجم إلى آليات مؤسسية وتشريعية ومجتمعية تصون الكرامة وتوسع دوائر المشاركة والتمكين.