البحرين – جسور – فاطمة الزهراء بدوي
أحرز الطالب البحريني محمد حبيب محمد، إنجازًا استثنائيًا، بنهاية العام الدراسي 2024/2025، إذ حصل على نسبة 99.25% في الصف السادس الابتدائي، بمدرسة كرزكان الابتدائية للبنين، متغلبًا على التحديات المرتبطة بالإعاقة البصرية التي وُلد بها. تفوقه اللافت نتيجة مسار تعليمي دؤوب، ودعم تربوي متكامل من قبل المدرسة والمعلمين، ما أسهم في خلق بيئة تعليمية دامجة ومحفزة لطاقاته.
أعرب محمد عن امتنانه العميق للهيئة التعليمية التي رافقته خلال عامه الدراسي، مشيدًا بدورهم في تقديم التيسيرات اللازمة لحالته، سواء عبر تكييف المناهج أو إدماجه في الحياة المدرسية بشكل فعال. دعمهم له لم يتوقف عند حدود الحصص الدراسية، ولكنه شمل إشراكه في أنشطة متنوعة ساعدت على تنمية شخصيته وتعزيز ثقته بنفسه، مثل النادي الأدبي لمادة اللغة العربية، والإذاعة المدرسية، وجماعة المكتبة.
لم تكتف المدرسة بتمكينه من متابعة دروسه، بل أولت اهتمامًا خاصًا بثقافته ومهاراته الفردية، حيث خُصصت له مكتبة مصغرة تضم كتبًا بلغة برايل وموادًا ثقافية مسموعة. هذه المبادرة فتحت أمامه آفاقًا جديدة في التعلم الذاتي والتفاعل الثقافي، ورسخت لديه الشعور بالانتماء والقدرة على الإبداع.
ولم يتوقف نشاط محمد على حدود المدرسة، إذ بادر بالانضمام إلى جمعية الصداقة للمكفوفين، سعيًا إلى تفعيل دوره في المجتمع المدني. مشاركته هذه أتاحت له التفاعل مع أقرانه من ذوي الإعاقات البصرية، وأكسبته مهارات اجتماعية عززت من حضوره، سواء في الأنشطة الجماعية أو في الحوار المجتمعي، حيث عبّر عن أفكاره بطلاقة وثقة.
وأكد أن تجربته الدراسية كانت رحلة نمو داخلي أسهمت في تعزيز بصيرته، وليست مجرد تحصيل علمي. قال: «فقداني البصر نمى بصيرتي، وجعلني مليئًا بالإرادة والعزيمة لتحقيق النجاح رغم الظروف». كلماته عكست نضجًا واضحًا ورؤية متقدمة لمفهوم التحدي والإنجاز.
ما حققه محمد ليس إنجازًا فرديًا فحسب، ولكنه يمثل ثمرة رؤية تعليمية وطنية تتبناها وزارة التربية والتعليم في مملكة البحرين، التي تعمل على دمج الطلبة ذوي الاحتياجات الخاصة في البيئة التعليمية. الوزارة تبنت سياسات واضحة لضمان حق التعليم للجميع، عبر تهيئة المدارس وتدريب المعلمين وتوفير وسائل تعليمية مناسبة لكل فئة.
وتبرز تجربته نجاح النموذج البحريني في التعليم الدامج، الذي لا يقتصر على تقديم خدمات، ولكنه يسعى لتكوين شخصية متكاملة للطالب، من خلال الدمج بين التعلم الأكاديمي والنشاط الاجتماعي والثقافي. وهو ما انعكس بوضوح في شخصية محمد، التي تجمع بين الطموح، والتفاعل الإيجابي، والقدرة على التعبير والانفتاح على الآخرين.
تفتح قصته الباب لمزيد من القصص الملهمة التي تؤكد أن الإعاقة لا تعني العجز، وقد تكون حافزًا لصناعة التميز متى توفرت البيئة الحاضنة، والإرادة الحقيقية، والرؤية الواضحة. وما فعله هذا الطالب الكفيف في مرحلة مبكرة من عمره يمكن أن يلهم الكثيرين داخل البحرين وخارجها.