تنقية الأجنة تفتح باب الأمل.. هل يمكن منع الإعاقة قبل الولادة؟ 

تنقية الأجنة تفتح باب الأمل.. هل يمكن منع الإعاقة قبل الولادة؟ 

المحرر: سحر شيبة - مصر 

في رحم الأم يبدأ الإنسان حكايته الأولي ، وهناك أيضًا قد تُكتب أولى فصول الإعاقة، فأمراض الجنين الوراثية هي أحد الجذور الخفية لولادة جيلٍ يعاني من إعاقاتٍ كان يمكن الوقاية منها. تتشابك فيها الوراثة بالعوامل البيئية، ويزيدها الجهل بزواج الأقارب رسوخًا، فتصبح الأخطاء الجينية الصغيرة مصائر كبيرة تغيّر ملامح أسرٍ بأكملها.

خلل في الكروموسومات

تُعرَّف أمراض الجنين الوراثية بأنها اضطرابات تنشأ بسبب خلل في الجينات أو الكروموسومات أو في العمليات الأيضية داخل خلايا الجنين، وقد تظهر قبل الولادة أو عندها أو بعد سنوات من النمو. وتشير منظمة الصحة العالمية إلى أن نحو ستة في المئة من المواليد حول العالم يولدون بعيبٍ خلقيٍ ما، وهو رقم ضخم يعني أن ملايين الأطفال يواجهون صعوبات في النمو أو الإعاقة منذ لحظة الميلاد. وفي بعض الدول النامية، يتحول هذا الواقع إلى عبءٍ صحي واجتماعي كبير، إذ تفتقر العديد من الأسر إلى الفحوص المبكرة أو برامج المتابعة الوقائية.

وتتنوع أشكال هذه الأمراض بين تشوّهات بنيوية مثل عيوب القلب والجهاز العصبي، وأخرى جينية ناتجة عن طفرة في جين واحد مثل فقر الدم المنجلي والتليف الكيسي والضمور العضلي، إلى جانب اضطرابات الأيض الخلقية التي تعيق تفاعل الإنزيمات في جسم الطفل، أو الحالات الناتجة عن تفاعل الجينات مع العوامل البيئية مثل بعض تشوّهات القلب أو الدماغ.

زواج الأقارب

ويعد زواج الأقارب أحد أبرز أسباب زيادة الأمراض الوراثية في المجتمعات العربية، إذ يؤدي إلى تراكم الطفرات المتنحية وانتقالها للأبناء، بينما يشكل عمر الأمّ المتقدم عامل خطر آخر يزيد احتمال حدوث اضطرابات الكروموسومات، مثل متلازمة داون. كما تسهم بعض العوامل البيئية كالتعرّض للأدوية الضارة أو الإشعاع أو العدوى خلال الحمل، ونقص حمض الفوليك، في زيادة احتمالات التشوهات.

من هنا تأتي أهمية الكشف المبكر، بدءًا من الفحص الوراثي قبل الزواج والحمل لمعرفة ما إذا كان أحد الزوجين حاملًا لطفرات وراثية، مرورًا بفحوص الدمّ والموجات فوق الصوتية أثناء الحمل، وصولًا إلى الفحوص التشخيصية الدقيقة مثل بزل السلى أو أخذ عينات من المشيمة، التي يمكنها تحديد نوع الخلل الوراثي ومدى تأثيره على الجنين. وتُكمل هذه المنظومة برامج فحص المواليد بعد الولادة، والتي تُعدّ أداة إنقاذ مبكر للأطفال المصابين باضطرابات يمكن علاجها دوائيًا أو غذائيًا.

تنقية الأجنة

ومع التقدم العلمي، لم يعد الأمل في الوقاية فقط، بل امتد إلى ما قبل تكوين الجنين نفسه عبر ما يُعرف بتنقية الأجنة أو الفحص الوراثي قبل الزرع (PGT). وهي تقنية حديثة تُستخدم في إطار التلقيح الاصطناعي (IVF)، حيث تُفحص الأجنة في المختبر قبل زرعها في رحم الأم، لاختيار الأجنة السليمة الخالية من الطفرات أو التشوّهات. ويُعد هذا الأسلوب من أعظم ما توصل إليه الطب الحديث في الحد من انتقال الأمراض الوراثية من جيلٍ إلى آخر، وفتح باب أملٍ جديد أمام الأسر التي تحمل عبئًا وراثيًا مؤلمًا.

تعتمد التقنية على سحب عددٍ من البويضات من الأم وتخصيبها في المختبر، ثم فحص خلية أو أكثر من الأجنة بعد أيام من الإخصاب، باستخدام تقنيات دقيقة لتحليل الحمض النووي، وتحديد ما إذا كان الجنين يحمل أي خلل وراثي أو كروموسومي. وبعد الفحص، تُزرع في الرحم فقط الأجنة السليمة، مما يقلل احتمالات الإجهاض أو ولادة أطفال مصابين بأمراض وراثية مزمنة.

ورغم دقتها العالية، فإن لهذه التقنية حدودًا، أبرزها وجود الموزايكية الجنينية، أي اختلاف التركيب الوراثي بين خلايا الجنين الواحد، مما قد يؤدي إلى نتائج غير حاسمة، كما تبقى هناك قضايا أخلاقية مهمة، تتعلق بحدود استخدام التقنية لأغراض غير علاجية، مثل اختيار الصفات الجسدية أو النوع الاجتماعي، وهو ما تضع له التشريعات الدولية ضوابط صارمة.

وتوصي الجمعيات الطبية العالمية، مثل الجمعية الأوروبية للتكاثر البشري (ESHRE)، بأن تُجرى عمليات تنقية الأجنة ضمن إطار طبي متخصص وبعد مشورة وراثية دقيقة، توضح للزوجين نسبة النجاح والمخاطر المحتملة، وتشدد على ضرورة الاعتماد على مختبرات معتمدة تخضع لمعايير جودة صارمة، حتى تكون النتائج دقيقة وآمنة.

تنقية الأجنة ليست معجزة تتحدى القدر، لكنها خطوة علمية عظيمة حين تُستخدم في موضعها الصحيح، فهي تمنح الأسر التي تحمل أمراضًا وراثية فرصة إنجاب طفل سليم، وتمنح المجتمع أملًا في جيلٍ أقل معاناة من الإعاقات الوراثية. لكن تحقيق هذا الهدف لا يكتمل إلا بالوعي، فالمعرفة المسبقة والفحص المبكر هما السلاح الأول في مواجهة المرض، وتبقى الوقاية قبل أي علاج حجر الأساس لصحة الأجيال القادمة.

التاريخ الوراثي

وفي هذا الإطار، يقدم الدكتور محمود خيري، إستشاري طب الجنين والأمراض الوراثية تحليلًا وافيًا عن تنقية الأجنة لـ”جسور” قائلًا:«إن طب الوراثة قد تقدم للغاية، وأصبح من الممكن في حالة التأكد من التاريخ الوراثي للعائلة وثبوت تاريخ مرضي، ومع رغبة الطرفين في إنجاب طفل سليم معافى لا يحمل أمراضًا أو تشوهات اللجوء إلى ما يُعرف بـ(تنقية الأجنة)، خاصة عندما تشوب رحلة الحمل مخاوف من احتمالية وجود مشاكل لدى الجنين، وفي حال امتلاك الأبوين القدرة المادية لإجراء العملية».

لدكتور محمود خيري، إستشاري طب الجنين والأمراض الوراثية

«وفي هذه الحالة، يقوم الطبيب بعمل تحليل للطَّفرة الوراثية وتحديد الجين المسؤول عن المرض، ثم تُؤخذ عينة من الحيوانات المنوية من الأب والبويضات من الأم، وتُجرى عملية تلقيح البويضات في المعمل للحصول على عدد من الأجنة، ثم يُحتفظ بالجنين السليم وتُستبعد الأجنة المصابة أو المشوهة. وقد أثبتت هذه العملية نجاحها في الحصول على طفل سليم».

عملية معقدة

ويُضيف: «موضوع تنقية الأجنة معقد بعض الشيء، فعند تكرار إصابة أحد أفراد الأسرة بمرض معين أو إعاقة معينة، نلجأ حينها إلى إجراء تحليل المسح الجيني لمعرفة الطفرات المشتركة بين الزوج والزوجة. وبالطبع، تزداد هذه الحالات في زيجات الأقارب، ولكنها قد تحدث أيضًا في حالات لا تجمعها صلة قرابة، وإنما يحمل الطرفان نفس الطفرة الوراثية».

وعند تحديد اسم الطفرة ومكانها على الخريطة الوراثية الخاصة بالجسم، يمكننا أخذ عينة من الجنين الذي يُجهَّز لعملية الحقن، وإجراء تحليل له قبل زرعه في رحم الأم، وهي العملية التي تُعرف باسم تنقية الأجنة.”

عشرة أجنة

ويتابع الدكتور محمود خيري قائلًا: «قد نحتاج أحيانًا إلى عشرة أجنة مثلًا للانتقاء من بينها، وذلك وفقًا لحسبة بسيطة، عند وجود جين متنحٍ تكون احتمالية إصابة الجنين بالمرض بنسبة 25٪ تقريبًا، أي أن ربع الأجنة قد يكونون مصابين، وبالتالي سنفقد ثلاثة أجنة مثلًا، بينما الأجنة السبعة الأخرى قد لا تعطي نتيجة دقيقة بسبب خلل ما، وقد يحدث أيضًا أن بعض الأجنة رغم التأكد من سلامتها لا تعيش، أو لا تثبت بعد زرعها في رحم الأم».

«لذلك فهذه العملية ليست سهلة، ومن الصعب أن تنجح من المرة الأولى، بالإضافة إلى وجود العديد من العوامل التي تتحكم في نجاحها، مثل سن الأم، وحالتها الصحية، وحالة الرحم».

المقالة السابقة
بورسلي: الكويت رائدة في ابتكار خدمات مستدامة لتحسين حياة كبار السن وذوي الإعاقة
المقالة التالية
بيت الزكاة الكويتي يبحث مع اليمن دعم ذوي الإعاقة وتوسيع المشاريع الإنسانية

وسوم

أمثال الحويلة (409) إعلان عمان برلين (482) اتفاقية الإعاقة (624) الإعاقة (145) الاستدامة (1123) التحالف الدولي للإعاقة (1095) التشريعات الوطنية (867) التعاون العربي (537) التعليم (85) التعليم الدامج (66) التمكين الاقتصادي (91) التنمية الاجتماعية (1116) التنمية المستدامة. (88) التوظيف (66) التوظيف الدامج (849) الدامج (58) الدمج الاجتماعي (653) الدمج المجتمعي (165) الذكاء الاصطناعي (88) العدالة الاجتماعية (75) العقد العربي الثاني لذوي الإعاقة (530) الكويت (92) المجتمع المدني (1099) الولايات المتحدة (64) تكافؤ الفرص (1091) تمكين (93) حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة (539) حقوق الإنسان (78) حقوق ذوي الإعاقة (97) دليل الكويت للإعاقة 2025 (384) ذوو الإعاقة (160) ذوو الاحتياجات الخاصة. (1055) ذوي الإعاقة (548) ذوي الهمم (59) ريادة الأعمال (409) سياسات الدمج (1077) شركاء لتوظيفهم (399) قمة الدوحة 2025 (668) كود البناء (468) لغة الإشارة (73) مؤتمر الأمم المتحدة (355) مجتمع شامل (1086) مدرب لغة الإشارة (655) مصر (98) منظمة الصحة العالمية (678)