جسور – وكالات – فاطمة الزهراء بدوي
صَعدَ اسم الكاتبة ساوو إيتشيكاوا، إلى واجهة الأدب الياباني عام 2023، بعد فوزها بجائزة أكوتاغاوا، لتسجل سبقًا تاريخيًا، بصفتها أول كاتبة تعاني من إعاقة جسدية شديدة، تنال هذا التكريم الرفيع..
شكل فوز ساوو لحظة تحول في المشهد الثقافي الياباني، إذ أعاد فتح النقاش حول تغييب الأصوات القادمة من الأجساد المختلفة، رغم ما تختزنه من رؤى وتجارب، قادرة على كسر القوالب السائدة.
الروائية التي تبلغ من العمر 45 عامًا، وتعاني من ضمور عضلي خلقي، تستخدم كرسيًا متحركًا وجهاز تنفس صناعي، لمساعدتها على البقاء حية، لكنها استطاعت أن تصعد إلى المنصة، وسط تصفيق الجمهور، بعد استخدام منحدر خاص.
في تلك اللحظة، رفعت إبهامها لوالديها ومحررها، ووجهت رسائل واضحة، حول الإقصاء الاجتماعي الذي يتعرض له أصحاب الإعاقات في اليابان، مستخدمة شهرتها المفاجئة، في توجيه ضوء حاد على التمييز البنيوي.
روايتها الفائزة “الأحدب” تعد صرخة أدبية جريئة في وجه ما وصفته بـ”الرجولة القادرة”، أو التحيز للمُعافين الذي يتخلل الحياة اليابانية. بطلتها “شاكا” تعاني من نفس حالتها الجسدية، لكنها تستخدم جسدها ورغباتها لتأكيد إنسانيتها، وسحق الصور النمطية التي تحاصرها.
المسار الذي سلكته إيتشيكاوا للوصول إلى هذه اللحظة كان معقدًا ومليئًا بالتحديات، حيث أُجبرت على ترك المدرسة في سن الثالثة عشر بعد تركيب جهاز التنفس، وعاشت سنوات من العزلة. ورغم القيود الجسدية، بدأت في كتابة القصص الرومانسية والخيالية للمراهقين، إلا أن دور النشر رفضت أكثر من ثلاثين عملًا لها. لم تستسلم، وسعت إلى استعادة صوتها في هذا المجتمع.
عند انضمامها لبرنامج دراسات عليا عبر الإنترنت في جامعة واسيدا، بدأ وعيها يتبلور حول غياب التمثيل الواقعي للأشخاص ذوي الإعاقة في الأدب. أدركت أن الوقت قد حان لكتابة رواية تتجاوز القصص الترفيهية، وتحمل عمقًا شخصيًا ومجتمعيًا. هكذا وُلدت “الأحدب”، عملها الأول الذي يصنف ضمن “الأدب الخالص”، والذي أحدث ضجة في الأوساط الأدبية.
الرواية التي تُرجمت مؤخرًا إلى اللغة الإنجليزية، تكشف في أحد أكثر مقاطعها شهرة عن غضب بطلتها من عجزها عن الإمساك بكتاب، وتُحمل مسؤولية ذلك لثقافة مجتمعية تتجاهل الحواجز الخفية أمام ذوي الإعاقة. تقول شاكا: “غالبية اليابانيين الأصحاء لم يتخيلوا يومًا وحشًا أحدب يعجز عن فتح كتاب”.
الأكاديمية يوكي آراي من جامعة نيشيغاكوشا، رأت أن الرواية أزالت الغشاوة عن عيون كثيرين، مشيرة إلى أن صوت إيتشيكاوا “صدم المجتمع الذي لم يدرك أنه يحرم الآخرين من المشاركة”. يُذكر أن عام 2019 شهد دخول شخصين من ذوي الإعاقات الشديدة إلى البرلمان الياباني، مما استدعى تجديدات في البنية التحتية لتكون أكثر إتاحة، في خطوة ربطها البعض بموجة وعي جديدة تعيد النظر في مفاهيم “الطبيعي”.
تكتب إيتشيكاوا نصوصها على جهاز آيباد، وتصف نفسها بأنها كانت بلا خيار سوى الكتابة، وعندما فازت بالجائزة، تجمد ذهنها للحظات. تعتقد أن الاختلاف لعب دورًا في قبولها، لكنها تأمل أن يكون فوزها بداية لانفتاح أدبي أكبر تجاه كتاب يكتبون من خارج القالب السائد.
الكاتبة، التي نشأت في طفولتها على حب الرقص والجمباز، لم تكن على دراية تامة بطبيعة مرضها، فسافر بها والداها إلى تايلاند وكندا لخلق ذكريات مبهجة قبل تدهور حالتها. بعد أن أصبحت مقعدة، حرص والدها على بناء منزل قريب من البحر كي تبقى على تواصل مع العالم الطبيعي، رغم المعاناة النفسية التي لاحقتها حينها، والتي عبرت عنها لاحقًا في كتاباتها عبر صور سريالية كأرض تغطيها جثث الحشرات.