أمل قندوز، فتاة تونسية تعاني اعوجاجا شديدا في العمود الفقري، أو ما يسمى بـ”الجنف الشديد” يجعلها حبيسة كرسيها المتحرك منذ مولدها، لكنها تحدت إعاقتها، وحققت تفوقا ملحوظا في المراحل التعليمية، لتحظى بتكريم من الرئاسة التونسية في أغسطس 2024.
أمل الآن تكمل رسالتها الملهمة لغيرها من الأصحاء وذوي الإعاقة، بتقديم دروس دعم وتدارك لتلاميذ شعبة الاقتصاد والتصرف، سواء بطريقة فردية أو جماعية، مستعينة بأساليب تعليمية ذكية ومبسطة يُمكنها إلهام الطلاب الآخرين.
أمل قندوز ومسيرة تعليمية ناجحة
من مدينة المظيلة بولاية قفصة جنوب تونس، خرجت أمل لتحقق أملها وأمل غيرها من ذوت الإعاقة في التحقق وإثبات أن العقل يحمل الجسد ويحميه، وأصبحت أمل رمزًا حقيقيًا للإرادة والتحدي، أولا بإصرارها على اجتياز التحديات التي فرضتها ظروفها الاجتماعية.
في عام 2018 وبعد حصولها على شهادة البكالوريا من معهد المظيلة، إلتحقت أمل بالمعهد العالي لإدارة المؤسسات بقفصة، شعبة التصرّف في الموارد البشرية، وحصلت في السنة النهائية في العام 2024 على المعدل الأول على دفعتها بمعدل درجات (17.94).
ثم ناقشت مشروع تخرجها وحققت معدل 19 مع ملاحظة “حسن جدًا” من لجنة المناقشة، وفي أغسطس من العام نفسه تم تكريمها رسميًا من قبل رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيد، في لفتة وصفها الإعلام التونسي والنشطاء بأنها تعبر عن اهتمام ودعم الدولة بذوي الإعاقة.

أمل انحناء غير طبيعي في العمود الفقري
أمل قندوز تعاني من اعوجاج حاد في العمود الفقري Severe Scoliosis، وهى حالة تؤدي إلى انحناء غير طبيعي للعمود الفقري بدرجة تؤثر على التنفس، وتحول دون الجلوس لفترات طويلة، ويصعب معها الحركة والتنقل.
يول الأطباء إن الانحناء في العمود الفقري يمكن أن يسبب ضغطًا على الرئتين مما يؤدي إلى مشاكل في التنفس، ويمكن أن يؤثر على توازن الجسم، ويُسبب تعبًا سريعًا، وألمًا مستمرًا في الظهر.
وإن الحالات الشديدة تتطلب تدخلًا جراحيًا إن أمكن، أو استخدام دعامات طبية (Braces)، أو دعمًا طبيًا تأهيليًا.
الواقع التونسي.. احصائيات غير دقيقة
لا توجد إحصائيات دقيقة لعدد الأشخاص ذوي الجنف الشديد مثل حالة أمل، لكن هناك دراسات تشير إلى أن آلام العمود الفقري شائعة بين المراهقين في تونس.
في دراسة حديثة على أطفال ومراهقين تتراوح أعمارهم بين 6‑18 عامًا، وُجد أن حوالي 44% من المشاركين عانوا من آلام في العمود الفقري (عنق،ظهر، أسفل الظهر) بسبب عدة عوامل مثل الجلوس غير الصحيح، ومشاهدة الشاشات لوقت طويل، والتغذية وغيرها.
أيضًا هناك دراسات حول Scoliosis Idiopathic لدى المراهقات، تشير إلى أن نسبة الإصابة قد تتراوح بين 0.47% إلى 5.2% حسب السن، الجنس والحالة الصحية.
العلاج على المستوى العالمي
الحالات الشديدة من الجنف تُعالج عادة جراحيًا مع متابعة طويلة الأمد. في دراسة “Operative Treatment of Severe Scoliosis in Symptomatic Adults” على 178 مريضًا بالغًا، تمّ تحسين المنحنيات بدرجات كبيرة، مثلاً في القسم الصدري (Thoracic) تحسّن من 84 إلى 57، وفي القطني (Lumbar) من 61 إلى 29، مع ملاحظة أن العملية غالبًا ما تكون معقدة وتتضمن عدة مستويات دمج بالعظام.
في حالات أخرى، تُستخدم الدعامات (Braces) كعلاج تحفظي، خاصة في المراهقة، للتقليل من تطوّر الانحناء قبل أن يصبح شديدًا بحيث يستلزم الجراحة.
التأقلم النفسي والجسدي مع ارتداء الدعامة غالبًا ما يكون صعبًا، خصوصًا في الدول النامية حيث الموارد محدودة، والدعم النفسي غير متوفر دائمًا.
جهود تونس في التمكين
قانون التوجيه “Orientation Law No. 83 of 2005” يُعتبر الإطار القانوني الأساسي لحقوق ذوي الإعاقة في تونس، حيث يضمن المساواة في الفرص، الحماية من التمييز، وتوفير التسهيلات اللازمة في التعليم والعمل وغيرها من المجالات، وزاد تعديل على قانون رقم 41 لسنة 2016 من نسبة التوظيف المخصّصة لذوي الإعاقة في كل من القطاعين العام والخاص.
هناك أيضاً مبدأ الحصص (Quota) في التوظيف، المؤسسات التي توظف عدداً معينًا من العمال مطالبة بضمان نسبة معينة من ذوي الإعاقة، على سبيل المثال، المؤسسات التي توظف بين 50 و 99 موظفًا ملزمة بحجز منصب واحد لذوي الإعاقة، والمؤسسات التي تضم 100 وما فوق موظفًا يجب أن تخصص 2% من مناصبها لذوي الإعاقة.
التمكين الاجتماعي والدعم
تونس أوجدت بطاقة إعاقة تُتيح عدة امتيازات لذوي الإعاقات، بالإضافة إلى دعم مادي للأسرة أو الطفل المعاق، وفي إطار التمكين الاقتصادي والاجتماعي، أطلقت الدولة برامج لتمويل المشاريع لدى ذوي الإعاقة، واستحداث صندوق خاص لدعمهم.
الجمعيات غير الحكومية تلعب دورًا فعالًا، مثل جمعية بسمة BASMA المعنية بتشغيل ذوي الإعاقة، ومساعدتهم على دخول سوق العمل والمشاركة في المشاريع الذاتية.
التحديات القائمة
على الرغم من القوانين، هناك نقص في التطبيق، فغالبية المؤسسات لا تلتزم بنسب الحصص، والبُنى التحتية غير ملائمة غالبًا لذوي الإعاقة، خاصة في المناطق الداخلية مثل قفصة والمظيلة التى جاءت منها الطالبة الملهمة والمتفوقة علميا أمل قندوز.
والكثير من ذوي الإعاقة في تونس لا يحملون بطاقة إعاقة، مما يقيّد حصولهم على الامتيازات القانونية، وأهمها التخفيضات في العلاج واستخدام المواصلات العامة والرسوم الدراسية.
مقارنة حالة أمل مع نظيراتها
أمل قندوز لكنها ليست الوحيدة، فهناك آلاف من ذوي الإعاقة في تونس يعيشون حالات علمية وصحية مماثلة، خاصة من ذوي التشوّهات العظمية والنفسية، لكن في معظم الحالات لا يصل العلاج للجراحة، بسبب ارتفاع التكلفة أو بُعد المرافق الطبية المتخصصة عنهم، وصعوبة استقلال وسيلة مواصلات مهيئة للوصول وتلقى الخدمة.
حالات مماثلة لحالة أمل قندوز في دول أخرى متقدمة، تتوفّر فيها مراكز متخصصة وخبراء في جراجة العظام، لديهم خبرة بهذه الحالات، مما يقلل من المضاعفات ويحسن جودة الحياة بعد العمليات.
رسالة أمل قندوز
أمل قندوز ليست مجرد حالة فردية، بل انعكاس لإرادة لا تقهَر، ورسالة واضحة بأن الإعاقة ليست نهاية الطريق، مشوارها العلمي وتجربتها الحياتية تُظهر أن التشريعات مهمة، لكن الأهم هو التنفيذ الفعّال، وتوفير البنية التحتية، والعلاج، والدعم النفسي، وقبل كل ذلك الإرادة والإيمان بأن الاختلاف قوة.