حقق باحثون من كلية لندن الجامعية ومستشفى مورفيلدز للعيون في بريطانيا إنجازًا طبيًا فريدًا، بعد تمكنهم من استعادة القدرة على القراءة لدى أشخاص فقدوا بصرهم بالكامل.
جاء ذلك عبر زرع جهاز إلكتروني متطور باسم «بريما» داخل العين، يعمل بالتكامل مع نظارات مزودة بتقنية الواقع المعزز والذكاء الاصطناعي.
شارك في التجربة 38 مريضًا من 17 مستشفى في 5 دول أوروبية. ويُعد الجهاز الجديد غرسة شبكية إلكترونية غير سلكية، صغيرة جدًا بحجم 2×2 ملليمتر وسُمك 0.03 ملليمتر، أي أرقّ من نصف سُمك شعرة الإنسان، تُزرع الشريحة في الطبقة الواقعة تحت الشبكية بالمنطقة المتضررة بسبب الضمور البقعي، لتعمل مثل لوح شمسي مصغّر يستقبل إشارات ضوئية بالأشعة تحت الحمراء من النظارات المزودة بكاميرا ومعالج ذكاء اصطناعي.
تلتقط الكاميرا المشهد أمام المريض وتحوله إلى إشارات ضوئية تُرسل إلى العين، لتصطدم بالشريحة المزروعة التي تُحوّلها بدورها إلى إشارات كهربائية دقيقة تُحفّز الخلايا العصبية المتبقية في الشبكية. تنتقل هذه الإشارات عبر العصب البصري إلى الدماغ، حيث تُفسَّر كصور بصرية، مما يسمح باستعادة القدرة على تمييز الحروف والكلمات.
بفضل الخوارزميات الذكية في الحاسوب المثبّت على خصر المريض، يمكن التحكم في تكبير الصورة وتحسين تركيزها لقراءة النصوص بوضوح أكبر. يخضع المرضى بعد الزرع لبرنامج تأهيلي لتعلّم تفسير الإشارات الجديدة. أظهرت النتائج أن 84% من المشاركين تمكنوا من قراءة الحروف والأرقام، وتمكن بعضهم من قراءة 5 أسطر من مخطط الرؤية بوضوح.
أكد الباحثون أن هذا الجهاز يُعد أول غرسة شبكية في العالم تتيح استعادة القدرة على القراءة عبر عين فقدت بصرها تمامًا، مما يمهد الطريق لاعتماده علاجًا طبيًا جديدًا لملايين المصابين بالضمور البقعي الجاف حول العالم.
جهود علمية سابقة
شهد مجال استعادة الرؤية لفاقدي البصر جهودًا علمية واسعة خلال منذ التسعينيات، حيث طوّر الباحثون أولى الغرسات الشبكية البسيطة، والتي كانت تتيح إدراك الضوء فقط دون قراءة النصوص.
تلتها محاولات لاستخدام أجهزة تحفيز كهربائي للعين والعصب البصري، ثم تطوير أنظمة الواقع المعزز التي تعتمد على كاميرات صغيرة وشاشات ميكروسكوبية لتحويل الصور إلى إشارات عصبية.
كما تم تجربة زرع خلايا جذعية في الشبكية لاستعادة الخلايا المتضررة، وتقنيات الذكاء الاصطناعي لتحسين معالجة الصور وتحويلها إلى إشارات يمكن للدماغ تفسيرها.
كل هذه المحاولات كانت تهدف إلى تمكين فاقدي البصر من الرؤية والتمييز بين الأشكال، مما مهد الطريق اليوم لتقنيات متقدمة مثل غرسة «بريما» التي تتيح القراءة بشكل واضح لأول مرة.