بريطانيا- جسور- فاطمة الزهراء بدوي
شهدت قرية ليسبلاو بمقاطعة فيرمانا بإيرلندا الشمالية، لحظة استثنائية بتخريج 22 شخصًا من ذوي الإعاقة الذهنية، بعد اجتيازهم برنامجًا تدريبيًا في مزرعة مجتمعية تُعرف بـ”فرمانا فن فارم”، منحهم مؤهلات رسمية في رعاية الحيوانات، الزراعة، الضيافة، والفنون المسرحية.
هؤلاء الخريجون هم من المنتسبين إلى مركز “كيلاديس داي سنتر”، حيث خاضوا تدريبًا عمليًا استمر عامًا كاملًا، وانتهى بحصولهم على شهادات “المستوى الأول” المعتمدة من مجلس المناهج والامتحانات والتقييم (CCEA)، وهو ما يعادل الشهادة الثانوية العامة البريطانية (GCSE).
تم تنظيم حفل التخرج في المزرعة نفسها، ضمن احتفالات “أسبوع التعلم لذوي الإعاقة”، وسط أجواء من الفرح والفخر. بالنسبة للعديد من المشاركين، كانت هذه أول مرة يحملون فيها شهادة تعليمية رسمية، وهو ما اعتبرته أسرهم لحظة إنصاف وتأريخ لجهود استمرت سنوات.
تجربة جديدة ومؤهلات معترف بها
المزرعة المجتمعية مشروع غير ربحي يجمع بين العمل والإرشاد، وتُدار بأسلوب يُمكن الأشخاص ذوي الإعاقة من اكتساب مهارات حياتية ومهنية في بيئة واقعية. المشاركون ساهموا في رعاية أكثر من 100 حيوان، أغلبها منقذ من الإهمال، وزرعوا محاصيل صغيرة، وشاركوا في تقديم المشروبات خلال لقاءات مجتمعية، كما كتبوا ومثلوا عرضًا مسرحيًا مستوحى من قصة الميلاد، باستخدام الحيوانات التي يعتنون بها.
ألان بوترز، مؤسس المزرعة والمعلم السابق، صمم البرنامج وساهم في تقييم المشاركين، مستفيدًا من خبرته التربوية. قال إن المشروع تطور بسرعة، إذ بدأ بشخصين فقط في قسم رعاية الحيوانات، واليوم يضم أكثر من 20 مشاركًا موزعين على مجالات مختلفة. وأضاف: “هذا التدريب يثمر مؤهلات معترف بها، ويمكن أن يساعدهم لاحقًا في إيجاد فرص عمل أو تدريب إضافي”.
تحول شخصي عميق
من بين الخريجين، لفتت كلودا الأنظار، لحصولها على شهادة في الفنون المسرحية، وللتغير الملحوظ في شخصيتها. والدتها، مارغريت روني، تحدثت عن ابنتها التي تبلغ 46 عامًا، قائلة إن العام الماضي كان نقطة تحول: “كانت تخاف من الحيوانات، وتنعزل عن الآخرين.. الآن تدخل الحظائر وحدها، وتتعامل مع ديك عملاق بكل ثقة”.
وأضافت أن ليلة ما قبل التخرج كانت مليئة بالحماس والتوتر، وأن كلودا ظلت متحمسة لارتداء زي التخرج، وصفَت مارغريت اليوم بأنه لحظة عاطفية نادرة، مؤكدة أن هؤلاء الأشخاص يستحقون الاحتفال مثل أي خريج جامعي.
أثر نفسي ومجتمعي
باتريشيا غريفيث من مركز “كيلاديس” قالت إن التدريب ساهم في رفع ثقة المشاركين بأنفسهم، وتحسن حالتهم النفسية والجسدية بشكل واضح. أوضحت أن ما يميز التجربة هو أن المشاركين لم يتلقوا نشاطًا ترفيهيًا، ولكن تدريبًا جادًا أفضى إلى نتيجة ملموسة.
وأكدت أن معظم المشاركين لم تتح لهم فرص تعليمية سابقة، واعتادوا مشاهدة إخوتهم يتخرجون من المدارس والجامعات دون أن يتصوروا أن دورهم سيأتي. وأضافت: “هم الآن أكثر اتزانًا، يسيرون برؤوس مرفوعة، يشعرون أنهم أنجزوا شيئًا حقيقيًا، ونحن فخورون بهم كما هم فخورون بأنفسهم”.
تحديات التمويل والتوسع
رغم النجاح الكبير، يواجه المشروع تحديات في التمويل. ارتفاع الطلب على المبادرات المجتمعية في المنطقة يجعل الموارد محدودة. مع ذلك، أعرب بوترز عن رغبته في توسيع المشروع ليشمل أعدادًا أكبر من المستفيدين، قائلًا إن ما تحقق حتى الآن يشجعه على الاستمرار رغم التحديات.
أثبت هذا النموذج أن الدمج الحقيقي يبدأ بتوفير الفرص، وأن التعليم يمكن أن يكون بابًا لتغيير حياة أشخاص حُرموا طويلًا من التقدير والاعتراف.