آلويس ألزهايمر.. تعرف على الطبيب الذي منح النسيان اسما في ذكرى رحيله

آلويس ألزهايمر.. تعرف على الطبيب الذي منح النسيان اسما في ذكرى رحيله

المحرر: محمود الغول - مصر
آلويس ألزهايمر

يوافق اليوم، التاسع عشر من ديسمبر، ذكرى رحيل واحد من أهم الشخصيات الطبية في التاريخ الحديث، وهو الطبيب الألماني آلويس ألزهايمر. ففي مثل هذا اليوم من عام 1915، توفي الرجل الذي ارتبط اسمه بأكثر الأمراض رعبا وغموضا في العصر الحديث.

رغم رحيله المبكر عن عمر ناهز 51 عاما، إلا أن إرثه لا يزال حاضرا في كل بيت يعاني فيه مسن من تآكل الذاكرة.

هيا نتعرف على حياة هذا العالم الفذ، وقصة اكتشافه للمرض الذي غير مفاهيم الطب النفسي والعصبي. لكن الأهم من ذلك، نناقش المرض من زاوية الإعاقة، وكيف يحول هذا الداء الإنسان المستقل إلى شخص من ذوي الاحتياجات الخاصة، يحتاج إلى دعم شامل ورعاية مستمرة.

من هو آلويس ألزهايمر؟

ولد آلويس ألزهايمر في جنوب ألمانيا عام 1864، وتميز منذ صغره بنبوغ علمي واضح. في الواقع، لم يكن مجرد طبيب نفسي تقليدي، بل كان شغوفا بفحص الأنسجة تحت المجهر. وهذا الشغف هو الذي قاده للربط بين الأعراض السلوكية للمرضى وبين التغيرات الفيزيائية في أدمغتهم.

علاوة على ذلك، عرف عنه إنسانيته الشديدة في التعامل مع المرضى داخل المصحات النفسية. حيث كان يرفض التعامل معهم كـ «مجانين»، بل كان يراهم ضحايا لمرض عضوي مجهول يفتك بخلاياهم. لذلك، يعتبره المؤرخون مؤسس علم الأمراض العصبية الحديث. حسب موقع Alzheimer’s Disease International.

ولا يمكن الحديث عن آلويس ألزهايمر دون ذكر مريضته الشهيرة أوغست ديتر. في عام 1901، التقى ألزهايمر بهذه السيدة التي كانت تبلغ من العمر 51 عاما فقط، وكانت تعاني من أعراض غريبة شملت فقدان الذاكرة والشك والارتباك.

مريضته الشهيرة أوغست ديتر
مريضته الشهيرة أوغست ديتر

أشهر جملة قالتها له ودونها في ملاحظاته كانت: «لقد فقدت نفسي».

بعد وفاتها عام 1906، قام ألزهايمر بفحص دماغها ليكتشف وجود ترسبات غريبة (لويحات وتشابكات) دمرت الخلايا العصبية. كان هذا الاكتشاف هو اللحظة الفاصلة التي أثبتت أن الخرف ليس نتيجة طبيعية للشيخوخة، بل هو مرض عضوي محدد. بسبب هذه الحالة، خلد التاريخ اسمه وأطلق على المرض ألزهايمر.

تناول ألزهايمر كإعاقة

عندما نتحدث عن مرض ألزهايمر اليوم، يجب أن نغير منظورنا من كونه مرضا طبيا فقط إلى كونه إعاقة مركبة. فالمصاب بهذا المرض يفقد تدريجيا قدراته المعرفية (الإدراكية) والوظيفية. وفقا لتصنيفات منظمة الصحة العالمية، يصنف الخرف الناتج عن ألزهايمر كأحد الأسباب الرئيسية للإعاقة والاعتمادية بين كبار السن. وفق موقع منظمة الصحة العالمية.

بمعنى آخر، يتحول المريض من شخص فاعل في المجتمع إلى شخص من ذوي الإعاقة الذهنية والجسدية. حيث يفقد القدرة على التفكير المنطقي، واتخاذ القرار، وحتى التحكم في وظائفه الحيوية في المراحل المتقدمة. لذلك، يجب التعامل معهم وفق مبادئ حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.

في المراحل الأولى للمرض، يواجه المصابون والمحيطون بهم تحديا كبيرا يعرف بالإعاقة غير المرئية. إذ يبدو المريض طبيعيا تماما من الخارج، يتحرك ويتكلم، لكنه يعاني من فوضى عارمة في الداخل. هنا تكمن خطورة الموقف، حيث قد يتهم المريض بالإهمال أو العناد أو سوء الخلق. حسب مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC)، قسم الشيخوخة والصحة.

على سبيل المثال، قد ينسى المريض كيفية التعامل مع النقود أو يضل طريقه للمنزل. هذه التصرفات ليست نابعة من إرادته، بل هي نتيجة تعطل الوظائف التنفيذية في الدماغ. من الضروري جدا توعية المجتمع بأن هذه الأعراض هي بداية لإعاقة تتطلب التفهم والاحتواء وليس اللوم.

التدهور الوظيفي أو العودة للطفولة

مع تقدم المرض الذي اكتشفه آلويس ألزهايمر، تتطور الإعاقة لتشمل الجوانب الحركية والوظيفية. في الواقع، يفقد المريض القدرة على أداء أنشطة الحياة اليومية مثل الأكل، والاستحمام، وارتداء الملابس. يصل الأمر في النهاية إلى فقدان القدرة على المشي أو البلع.

هذا التدهور يحول المريض إلى شخص يعتمد بنسبة 100% على الآخرين، تماما مثل الطفل الرضيع. لذلك، تتطلب رعاية مريض ألزهايمر تجهيزات خاصة في المنزل تشبه التجهيزات الخاصة بذوي الإعاقة الحركية، مثل الكراسي المتحركة والأسرة الطبية والممرات الآمنة. وفق تقرير بعنوان «الخرف» على موقع منظمة الصحة العالمية.

لا تقتصر آثار الإعاقة الناتجة عن ألزهايمر على المريض وحده، بل تمتد لتشمل الأسرة ومقدمي الرعاية. حيث يطلق الخبراء على مقدم الرعاية لقب المريض الثاني أو الضحية الخفية. بسبب الضغط النفسي والجسدي والمادي الهائل لرعاية شخص ذي إعاقة عقلية متدهورة، يتعرض مقدمو الرعاية للاكتئاب والأمراض المزمنة.

طالع: إشارة في الدماغ تكشف عن مرض ألزهايمر قبل سنوات من ظهوره

في ذكرى آلويس ألزهايمر، يجب أن نوجه الدعوة لدعم هؤلاء الجنود المجهولين. إذ يحتاجون إلى تدريب متخصص حول كيفية التعامل مع ذوي الإعاقة الذهنية، إضافة إلى دعم نفسي ومجتمعي. إن رعاية الراعي هي الضمانة الوحيدة لاستمرار رعاية المريض.

الإنسان قبل المرض

رغم قسوة الإعاقة التي يسببها المرض، يظل المصاب إنسانا كامل الحقوق والكرامة. للأسف، يتعرض مرضى ألزهايمر أحيانا للإساءة أو الإهمال أو العزل الاجتماعي. هنا يأتي دور الاتفاقيات الدولية لحقوق ذوي الإعاقة لتذكرنا بضرورة حمايتهم.

من الواجب التعامل مع المريض باحترام، وعدم الحديث عنه وكأنه غير موجود، والحفاظ على خصوصيته أثناء تقديم الرعاية الشخصية. آلويس ألزهايمر نفسه كان يعامل مرضاه برفق شديد، وكان يستمع إليهم لساعات، معطيا درسا في الأخلاقيات الطبية قبل الدروس العلمية.

مع ارتفاع متوسط الأعمار عالميا، تزداد أعداد المسنين الذين ينضمون لفئة ذوي الإعاقة بسبب ألزهايمر. تشير الإحصائيات إلى أن الأرقام قد تتضاعف ثلاث مرات بحلول عام 2050. هذا يعني أننا أمام تسونامي من ذوي الاحتياجات الخاصة الجدد الذين يحتاجون لبنية تحتية وخدماتية ضخمة. وفق دراسة  في دورية The Lancet Public Health. واعتمدت عليها منظمة الصحة العالمية.

لذلك، يجب على الحكومات العربية الاستعداد لهذا التحدي من خلال دمج رعاية المسنين ضمن استراتيجيات الإعاقة الوطنية. لم يعد مقبولا التعامل مع ألزهايمر كشأن عائلي خاص، بل هو قضية أمن صحي واجتماعي قومي.

البيئة الصديقة للخرف

انطلاقا من مبدأ الإتاحة، بدأت بعض الدول في تبني مفهوم المجتمعات الصديقة للخرف. الفكرة تكمن في تهيئة الشوارع، والمتاجر، والبنوك لتكون آمنة وسهلة الاستخدام لذوي الإعاقة الإدراكية. على سبيل المثال، تدريب موظفي البنوك على التعرف على علامات الارتباك لدى العميل المسن ومساعدته بدلا من نهره.

علاوة على ذلك، تشمل الإتاحة استخدام علامات إرشادية واضحة وبسيطة في الأماكن العامة. هذه الإجراءات البسيطة تمكن مريض ألزهايمر من الاحتفاظ باستقلاليته لأطول فترة ممكنة، وتؤخر تحوله إلى الاعتماد الكلي.

كما تخدم التكنولوجيا ذوي الإعاقات الحسية والحركية، فإنها تلعب دورا متزايدا في حياة مرضى آلويس ألزهايمر. حيث تتوفر الآن أجهزة تتبع (GPS) لحماية المرضى من التيه، وتطبيقات لتذكيرهم بمواعيد الدواء، وأنظمة منازل ذكية تراقب سلامتهم.

من ناحية أخرى، تساعد الروبوتات الاجتماعية في تقليل الشعور بالوحدة والعزلة لدى المرضى في المراحل المتقدمة. إن تسخير التكنولوجيا لخدمة هذه الفئة هو امتداد لرسالة ألزهايمر في محاولة فهم ومساعدة الدماغ البشري.

مرضى الزهايمر يحتاجون رعاية خاصة
مرضى الزهايمر يحتاجون رعاية خاصة

  إرث آلويس ألزهايمر لم يكتمل

توفي آلويس ألزهايمر قبل أن يرى التطور الهائل في أبحاث مرضه. اليوم، ورغم عدم وجود علاج نهائي، إلا أن هناك أدوية جديدة (مثل Lecanemab) تبطئ من التدهور المعرفي. هذا التقدم يمنح الأمل في تحويل المرض من إعاقة مدمرة إلى حالة مزمنة يمكن التعايش معها.

مع ذلك، يظل التشخيص المبكر هو حجر الزاوية، تماما كما فعل ألزهايمر مع مريضته “أوغست”. لذا، فإن الاستثمار في البحث العلمي هو السبيل الوحيد لهزيمة هذا الوحش الذي يلتهم الذكريات.

وفي ذكرى رحيل آلويس ألزهايمر، نتذكر أن هذا العالم الجليل لم يكتشف مجرد مرض، بل كشف عن معاناة إنسانية عميقة. لقد علمنا أن الذاكرة هي جوهر الهوية، وأن فقدانها هو أقسى أنواع الإعاقة. باختصار، واجبنا اليوم هو أن نكون نحن ذاكرة هؤلاء المرضى، وأن نضمن لهم حياة كريمة ومحاطة بالحب حتى آخر لحظة. أخيرا، الرحمة لمكتشف الداء، والدعم والصبر لكل من يعيش معه.

المقالة السابقة
قصور الثقافة تنظم زيارة للأطفال ذوي الهمم إلى متحف دار الأوبرا المصرية
المقالة التالية
المؤتمر الوطني في دمشق يوصي بإعداد استراتيجية شاملة لدمج ذوي الإعاقة