لم تكن نادية عبد الله تبحث عن الأضواء. بل هي التي اقتحمت العتمة لتضيء دروباً لمن فقدوا حاستي السمع والبصر معاً. من قلب تجربة عائلية مؤلمة. اكتشفت فيها أن الصمم الذي رافق طفولة شقيقتها لم يكن إلا مقدمة لعمى مفاجئ.
أدركت نادية أن عدوها الحقيقي هو نقص الوعي. واليوم، تقف نادية كأول سفيرة مصرية للتحالف العالمي لمتلازمة آشر. حاملةً على عاتقها أمانة ثقيلة. وهي حماية الأجيال القادمة من ضياع الحواس عبر الكشف المبكر.
في هذا الحوار. تفتح نادية عبد الله، رئيس المؤسسة المصرية لحقوق الصم، وسفير التحالف العالمي لمتلازمة آشر قلبها لـ «جسور» وهي تروي كيف تحولت من شقيقة لضحايا المتلازمة إلى صوت عالمي يكسر قيود العزلة. مؤكدةً أن الإرادة لا تحتاج إلى عينين أو أذنين لتبصر طريق الأمل وتسمع نداء الواجب. كما تقدم صورة حية عن التحديات والفرص والسبل التي يمكن أن تجعل حياة المصابين أفضل وأكثر استقرارًا.
بداية العلاقة مع متلازمة آشر
كيف بدأت علاقتك بمتلازمة آشر؟
انضمامي للتحالف العالمي لمتلازمة آشر واهتمامي بهذه القضية لم يكن مصادفة. بل جاء نتيجة تجربة عايشتها عن قرب داخل أسرتي. فقد نشأت في عائلة من الصم. وكنا نتعامل مع الصمم كإعاقة مستقلة دون أن نربطه بأي أعراض أخرى. وهذا طبيعي نتيجة لعدم الوعي وقتها بطبيعة المتلازمة. ومع مرور الوقت، أصبحت سفيرة للتحالف. وأسعى من خلال هذا الدور إلى رفع مستوى الوعي بمخاطر المتلازمة. وربط أعراضها المختلفة. خاصة فقدان السمع وضعف البصر. والتأكيد على أهمية الكشف المبكر لتجنب المضاعفات الشديدة.
متى اكتشفتِ وجود حالة من متلازمة آشر داخل أسرتك؟
التغيير الحقيقي بدأ حين أصيبت شقيقتي الكبرى. وهي صماء منذ الطفولة. بعمى مفاجئ. وفوجئنا خلال الفحوصات الطبية بأنها تعاني من ضمور في العصب البصري. هذه التجربة دفعتنا لإعادة النظر في تاريخ الأسرة. وربط حالة شقيقتي بحالة والدنا رحمه الله. الذي كان يعاني من ضيق شديد في مجال الرؤية الجانبي دون تشخيص واضح.
وكيف تعاملتم كأسرة مع الأمر؟
الصدمة كانت كبيرة لأننا لم نكن نعلم أن هناك رابطًا وراثيًا يجمع فقدان السمع وضعف البصر. في البداية. كنا نتعامل مع كل حالة بشكل منفصل. وكنا نجد صعوبة في فهم سبب عمى شقيقتي. لكن بعد متابعة الحالة والتحقق من التاريخ العائلي. بدأنا نفهم أن كل الأعراض مرتبطة ببعضها ومتعلقة بمتلازمة أشر.
دافع الانخراط في العمل التوعوي والدفاعي
هل كانت تلك التجربة دافعًا لانخراطك في العمل التوعوي والدفاعي؟
نعم تمامًا. هذه التجربة جعلتني أدرك حجم نقص الوعي بين الأسر والأطباء حول التداخل بين فقدان السمع وضعف البصر في متلازمة آشر. لذلك كرست جهودي داخل المؤسسة لرفع مستوى التوعية. وتوفير متابعة ودعم شامل للمصابين. بما يضمن حصولهم على رعاية متكاملة وتدخل مبكر يمنع تفاقم فقدان الحواس.
ما الذي غيّرته هذه التجربة في شخصيتك ونظرتك للحياة؟
التجربة علمتني أن القضايا المجتمعية قد تكون شخصية جدًا. وأن العمل الحقوقي يبدأ من تجربة واقعية عاشتها الأسرة نفسها. كما جعلتني أؤمن بأن التوعية والتدخل المبكر يمكن أن يغير حياة المصابين وأسرهم بشكل جذري.
اكتشاف الحالات الأخرى داخل الأسرة
كيف اكتشفتِ حالات أخرى داخل أسرتك مع مرور الوقت؟
مع مرور الوقت واستمرار المتابعة بعد زواج شقيقتي وإنجابها لطفلين من الصم. تم اكتشاف إصابة الابن الأكبر بضعف السمع والعتم البصري. ما أكد لنا وجود المتلازمة منذ البداية. بالطبع، لم يكن التعامل مع هذه الحالات سهلاً. خصوصًا إقناع الطفل بطبيعة المتلازمة وضرورة الالتزام بكورس العلاج الممتد لعدة أشهر لوقف نشاط الضمور ومتابعة التطور بشكل دوري.
لمن لا يعرف. ما هي متلازمة آشر وما أبرز أعراضها ومراحلها؟
متلازمة آشر هي اضطراب وراثي نادر يؤثر على السمع والبصر. ويتميز بمراحل تدريجية. في كثير من الحالات، تبدأ العلامة الأولى بالصمم منذ الولادة أو خلال السنوات الأولى من الطفولة. وغالبًا ما يُنظر إليه على أنه إعاقة سمعية مستقلة دون الربط بمشكلات بصرية لاحقة. مع مرور الوقت، يبدأ المصاب بفقدان تدريجي للبصر. يبدأ عادة بصعوبة الرؤية الليلية وضيق المجال البصري. وقد يصل إلى فقدان كامل للبصر في مراحل متقدمة. أحيانًا يصاحب ذلك صعوبات في التوازن. لذا المتلازمة ليست مجرد فقدان السمع أو البصر بشكل منفصل. بل مسار حياة يتطلب متابعة دقيقة وتدخل مبكر لضمان قدرة المصاب على التعلم والتواصل والاعتماد على نفسه.
الأسباب الوراثية والفحوصات المبكرة
هل تُعد من الأمراض الوراثية وهل هناك فحوصات تساعد في الكشف المبكر عنها؟
نعم، المتلازمة وراثية. والعامل الوراثي هو المسؤول الرئيسي عن ظهورها داخل الأسرة. الفحوصات الجينية مهمة جدًا. لأنها تساعد على الكشف المبكر عن الطفرة المسؤولة. والتدخل قبل تفاقم فقدان السمع أو البصر، خاصة عند وجود حالات سابقة في العائلة.
ما أبرز التحديات التي تواجه المصابين وأسرهم؟
أكبر تحدٍ هو التأخر في التشخيص. كثير من الحالات تتلقى العلاج للسمع أو البصر بشكل منفصل. دون الربط بين العرضين، ما يؤدي إلى استمرار الضمور وفقدان الحاستين تدريجيًا. هذا التأخير لا يعني فقط فقدان حاستين. بل فقدان فرص التعليم، والتأهيل المتكامل، والدعم النفسي والاجتماعي.
هل هناك إحصاءات رسمية في مصر لمتلازمة آشر؟
من واقع عملي، عدد المصابين أكبر مما يُعتقد. وكثير من الحالات لم يُربط بينها حتى يتم تشخيصها رسمياً كمتلازمة آشر. خاصة في مجتمعات ينتشر فيها زواج الأقارب.
التواصل مع التحالف العالمي والأنشطة المبذولة
كيف بدأ تواصلك مع التحالف العالمي لمتلازمة آشر؟
تواصلت معهم بعد اكتشاف حالة شقيقتي وربطها بتاريخ الأسرة. وبدأت مشاركة جهود التوعية بمخاطر المتلازمة وضرورة الكشف المبكر. وفهمت أخيرًا أن كل الأعراض مرتبطة ببعضها.
ما أبرز الأنشطة أو المبادرات التي تقومين بها كسفيرة للتحالف؟
أقوم بتنظيم حملات توعية وورش عمل. وإقامة شراكات مع جهات محلية ودولية لدعم الأسر والأطفال المصابين. ومتابعة الحالات بشكل دقيق. لضمان رعاية متكاملة وتدخل مبكر يمنع تفاقم الإعاقة.
هل هناك تعاون بين التحالف ومؤسسات في مصر أو الوطن العربي؟
نعم، نسعى لتوثيق التعاون بين التحالف العالمي والمؤسسات المحلية. سواء داخل مصر أو في المنطقة العربية، لنشر التوعية وتمكين الأسر المصابة.
من واقع متابعتك، هل مستوى الوعي في العالم العربي يتطور أم لا يزال محدودًا؟
الوعي لا يزال محدودًا، خاصة فيما يتعلق بالربط بين الصمم وضعف البصر وأهمية التشخيص المبكر. لكن مع الحملات المستمرة والمبادرات التوعوية، بدأنا نلاحظ تحسن تدريجي.
الأمل والرسائل للأسر والمجتمع
هل هناك جهود بحثية أو طبية جديدة تمنح أملًا للمصابين أو أسرهم؟
نعم، هناك تطورات في مجال الفحوصات الجينية والكشف المبكر. والتي تمكن من التدخل قبل تفاقم الحالة. كما تساعد في التخطيط للأسرة لتجنب تكرار الإصابة.
كيف تؤثر المتلازمة على حياة الفرد اليومية والتعليم والعمل؟
تؤثر بشكل كبير، لأنها تجمع بين فقدان السمع والبصر. مما يفرض تحديات في التعليم والتواصل والاعتماد على النفس. التدخل المبكر والمتابعة المستمرة يمكن أن يقلل من هذه الصعوبات ويتيح للفرد فرصًا أكبر في التعليم والعمل.
من تجربتك، ما أصعب اللحظات التي تمر بها الأسرة مع الحالة؟
أصعب اللحظات هي التعامل مع التأخر في التشخيص. وملاحظة فقدان الحاستين تدريجيًا، خاصة عند الأطفال. ومحاولة إقناعهم بالالتزام بالعلاج ومتابعة الحالة بشكل دوري.
كيف يمكن للمجتمع والإعلام تقديم دعم حقيقي بعيدًا عن الشفقة؟
من خلال التوعية، والفهم، وتقديم الدعم العملي للتعليم والتأهيل، وليس مجرد الشفقة. الإعلام يمكن أن يسلط الضوء على قصص نجاح ويظهر قدرات المصابين بدلاً من إبراز ضعفهم فقط.
في رأيك. هل دمج المصابين في المدارس والمجتمع يسير في الطريق الصحيح؟
التقدم موجود لكنه محدود. هناك حاجة إلى برامج متخصصة، وتأهيل المعلمين، وتوفير أدوات مساعدة لضمان دمج حقيقي ومستدام.
ما الرسالة التي تودين توجيهها للأسر التي لا تزال في بداية الطريق؟
أقول لهم: لا تيأسوا. التوعية المبكرة والمتابعة المنتظمة يمكن أن تحدث فرقًا كبيرًا في حياة أطفالكم. اعملوا على ربط كل الأعراض مع بعضها، واستشيروا الخبراء، ولا تنتظروا حتى يظهر الضرر. لأن التدخل المبكر هو الحل الأفضل لحياة مستقلة وآمنة لأطفالكم.


.png)


















































