حقق حلم الطفولة.. اسكتلندي يصمم مزرعة للمكفوفين باستخدام قطع «ليغو»

حقق حلم الطفولة.. اسكتلندي يصمم مزرعة للمكفوفين باستخدام قطع «ليغو»

المحرر: سماح ممدوح حسن-اسكتلندا
العمل للمكفوفين

فقد مايك دوكسبري بصره وهو في سن السادسة، بسبب الجلوكوما، لكنه لم يتخلّ يومًا عن شغفه بتربية الحيوانات وزراعة الأرض. وأصبح الحلم واقعا، حين صمّم باستخدام مكعبات «ليجو» نموذجًا لمزرعة دامجة، وحوّلها لمشروع حقيقي.

وأنشأ مزرعة متكاملة تفتح أبواب العمل للمكفوفين وذوي الإعاقات المختلفة. مؤكدًا أن فقدان البصر لا يمنع الرؤية، بل يعيد تعريفها.

مزرعة مايك تفتح باب العمل للمكفوفين فى الزراعة

نشأ مايك في مزرعة عائلته، وكغيره من أبناء الريف، ارتبط بالأرض والحيوانات منذ طفولته. ومع ذلك، اصطدم مبكرًا بنظرة مجتمعية ترى الزراعة مجالًا مغلقًا أمام المكفوفين.

لكن بدل الاستسلام أصرّ على كسر هذا التصور، فحصل على شهادة جامعية في تغذية الحيوان. ثم أسس مزرعة دامجة في بيدفوردشير مع زوجته نِس، واضعًا منذ البداية فكرة الشمول في المشروع.

العمل للمكفوفين
نموذج المزرعة من الليجو قبل أن تُنفّذ فى الواقع

لاحقًا، وبعد مشاركته في معرض «رويال هايلاند» في إدنبرة عام 2023. حيث تحدث عن التنوع ودمج ذوي الإعاقات في الزراعة، فوجئ مايك بحجم الاهتمام الذي تلقاه من اسكتلندا.

ومن هنا، انتقلت الفكرة من مجرد نقاش إلى خطوة عملية. حين حصل على مساحة زراعية تبلغ 22 فدانًا في منطقة تارلاند بأبردينشير. بدعم من مؤسسة «ماكروبرت» الخيرية.

في هذه المرحلة، لم يبدأ مايك بالبناء مباشرة، بل لجأ إلى وسيلة غير تقليدية: مكعبات «ليجو». فمن خلال نموذج بسيط بارتفاع عشرة مكعبات، صمم المبنى الرئيسي للمزرعة، محددًا القاعات. ومساحات التعامل مع الحيوانات، وورش العمل، والفصول التعليمية.

وبعد ذلك، نقل هذا النموذج إلى أرض الواقع بالتعاون مع شركة بناء آمنت بالفكرة. فأنجزت مبنى بطول 32 مترًا، مصمم بدقة ليخدم الأشخاص ذوي الإعاقات البصرية والحركية.

إتاحة العمل بالزراعة .. حلم الطفولة يتحقق

ومع اكتمال البناء، ركّز المشروع على التفاصيل العملية: ممرات واسعة، أرضيات ملساء، درابزين يدوي، ومساحات آمنة تسهّل الحركة والتنقل.

وبحسب مايك، فإن الإحساس بالأمان لا يقل أهمية عن التصميم نفسه، لأنه يمنح المكفوفين الثقة في استخدام المكان والعمل داخله باستقلالية.

في الوقت نفسه، لم تقتصر المزرعة على الشكل أو البنية التحتية فقط، بل بدأت بالفعل في استقبال الأنشطة الزراعية. إذ تضم حاليًا أبقارًا وأغنامًا، مع خطط لإضافة الدواجن والماعز والخنازير. إلى جانب حيوانات صغيرة مثل الأرانب، لتسهيل التدريب على من ليست لديهم خبرة سابقة.

كما جهّز الفريق نفقًا زراعيًا بمعدات قابلة لتعديل الارتفاع، بما يناسب مستخدمي الكراسي المتحركة والأطفال.

ومن ناحية أخرى، لم يتوقف المشروع عند الإنتاج الزراعي، بل اتجه مباشرة إلى تمكين الشباب. فقد استقبلت المزرعة أول طالب مقيم، وهو ويليام، شاب كفيف يبلغ 17 عامًا. تمكن خلال أيام قليلة من إطعام الأغنام والأبقار بمفرده.

بناء مستقبل مهني حقيقي

إلى جانب ذلك، تستقبل المزرعة طلابًا آخرين بشكل أسبوعي، إضافة إلى متدربين دوليين. ما يعزز فكرة تبادل الخبرات وبناء مجتمع زراعي متنوع.

وفي هذا السياق، يؤكد مايك أن الهدف لا يتمثل في «الرعاية» بقدر ما يتمثل في بناء مستقبل مهني حقيقي. قائم على المهارة والعمل الجماعي. ورغم التقدم الواضح، لا يزال المشروع بحاجة إلى دعم مالي إضافي يقدَّر بنحو 70 ألف جنيه إسترليني. وهو ما يدفع القائمين عليه إلى تنظيم فعاليات تبرع محلية، وسط دعم متزايد من مؤسسات زراعية ومجالس محلية.

وفي المحصلة، لا يقدم هذا المشروع نموذجًا زراعيًا فحسب، بل يطرح رؤية أوسع لمعنى الدمج الحقيقي. فكما يقول مايك دوكسبري: الإعاقة لن تختفي، لكن حين يتعلم المجتمع التواصل والعمل معًا. يتحول الاختلاف إلى قوة، وتصبح الأرض مساحة مشتركة للجميع.

المقالة السابقة
توسيع خدمات التأهيل لجرحى الحرب وذوي الإعاقة في سوريا
المقالة التالية
سلطنة عمان تكرم المبدعين من ذوي الإعاقة في الفن والثقافة والرياضة