Skip to content

السعودي محمد توفيق بلو.. عمار الشريعي ألهمني فكرة تأسيس أول مركز لتدريب المكفوفين

السعودي محمد توفيق بلو.. عمار الشريعي ألهمني فكرة تأسيس أول مركز لتدريب المكفوفين

السعودية – جسور- شيماء اليوسف

بدأت رحلة محمد توفيق بلو، الكاتب والوكيل الأدبي السعودي، الذي لم تتوقف أحلامه، عند فقدان بصره، بل جعله بوابة نور، قاده إلى دروب التأهيل والعطاء.

من مدينة جدة، حيث وُلد عام 1962، إلى الولايات المتحدة حيث تلقّى تدريبه، ومن عمله في الخطوط الجوية السعودية، إلى تأسيس أول جمعية عربية متخصصة في الإعاقة البصرية، نسج بلو سيرة استثنائية، حملت في طيّاتها وجع التجربة، ووهج الرسالة.

في هذا الحوار، ترافقه مجلة “جسور” عبر محطات الألم والأمل، ونستعيد معه تفاصيل المسيرة، من مقالات الرأي إلى قاعات المؤتمرات، ومن العزلة إلى ريادة مجتمعية، صنعت الفرق وألهمت الآخرين.

–  كيف أثرت طفولتك في بالولايات المتحدة، على وعيك ونظرتك للعالم؟

في الحقيقة أنا سافرت إلى سانت لويس بالولايات المتحدة الأمريكية في العام 1963م، وأنا في الثالثة من عمري تقريبًا، برفقة أسرتي التي سافرت بسبب ابتعاث والدي -رحمه الله- للدراسة هناك، ومكثنا نحو 3 سنوات. ولصغر سني لا أتذكر الكثير عن تلك الرحلة، ولكن أدركت فيما بعد أن تلك الرحلة كان لها تأثير مباشر على أسرتي، من حيث الانفتاح على الآخر، والتعرف على الثقافة الأمريكية في مرحلة مبكرة، واكتساب الطيب منها، وقد تحدثت عن تلك الرحلة بإسهاب وما دار فيها من أحداث وذكريات، في الجزء الأول من كتابي رحلتي عبر السنين، بما روته لي والدتي “رحمها الله “عنها.

– ما الذي كنت تحلم به وأنت طفل، وهل كانت لديك اهتمامات مبكرة بالكتابة أو الأدب؟

كُنت أحلم أن أعمل في مجال الطيران، بسبب قرب بيتنا من مطار جدة الدولي، ومشاهدتي يوميًا من شرفة المنزل الطائرات وهي تقلع وتتوارى في عنان السماء، تاركة خلفها أزيزها. أما بالنسبة لاهتمامي وميلي للكتابة فعلى ما أذكر أنني كُنت محبًا لكتابة الرسائل، وحصة التعبير في المدرسة. التي فيها أكتب القصص.

مررتَ بتجربة فقدان البصر في وقت كنت فيه في قمة نشاطك المهني، كيف واجهت هذه اللحظة الفارقة ؟

أولًا بالبحث والقراءة، والتعمق في حياة الصحابي أبن أم مكتوم، وذلك بعد أن قرأت قصته لأول مرة من كتاب «نَكْتُ الهِميَان فِي نُكَت العُميَان» لمؤلفه صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي، والحقيقة أن لذلك الكتاب أثر كبير عليَّ. لكن مرحلة التجاوز بدأت بعد أول زيارة لي لمركز لايت هاوس الدولي لخدمات ضعف البصر، وإعادة التأهيل، بمدينة نيويورك، في العام 1994م. أما المنعطف الفعلي لتجاوز حالة فقدان البصر فكان عقب التحاقي ببرنامج الاستقلال الذاتي للمكفوفين، بمعهد الجمعية الوطنية الأمريكية للمكفوفين، بمدينة مينابولس، بولاية مينيسوتا في العام 1996م.

– كيف تغيّرت نظرتك للحياة بعد هذه التجربة؟ 

كانت نقطة تحول بالاقتناع، بأنني أصبحت شخصًا من ذوي الإعاقة البصرية، وعليَّ قبول هذا الواقع والتعامل معه. وكانت انطلاقة جديدة، فقد عدت من تلك التجربة برسالة تهدف إلى تأسيس مركز لإعادة تأهيل وتدريب الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية، ليصبحوا مستقلين ذاتيًا، من خلال تنمية الحواس التعويضية، والتدرب على الوسائل البديلة دون الحاجة إلى السفر إلى أمريكا أو أوربا للوصول إلى الاستقلال الذاتي.

من الأشخاص الذين دعموك وساندوك في تلك الفترة؟

أولهم زوجتي السيدة جينا شوكلي أم أبني سندس، وباقي أفراد أسرتي، وأصدقائي المقربين لي من أيام عملي في مجال الطيران.

أما الداعمين في تنفيذ فكرتي وتحقيق حلمي ورسالتي، فكانوا الأمير طلال بن عبد العزيز آل سعود رحمه الله (رئيس برنامج الخليج العربي للتنمية)، ومعالي الدكتور أحمد محمد علي مدني (رئيس البنك الإسلامية للتنمية الأسبق)، والدكتور عاكف مغربي (رئيس مجموعة مستشفيات مغربي الأسبق)، وكلا من د. عصام قدس (مدير مستشفى العيون)، و أ.د. عدنان البار (مدير الشؤون الصحية لمنطقة مكة المكرمة “رحمهما الله”.

ما الذي ألهمك تأسيس أول مركز لتدريب المكفوفين في العالم العربي؟ وكيف كان رد الفعل وقتها؟

العرض التطبيقي من قبل شركة صخر، وتعرفي على الإعلامي المصري الكفيف عبد الرحمن عثمان، والموسيقار عمار الشريعي، اللذان كانا من أوائل مستخدمي برنامج قارئ الشاشة، الذي تغير اسمه فيما بعد إلى (نظام إبصار القارئ). وقد لقي صدًا واسعًا بين أفراد المكفوفين في مدينة جدة، ومنسوبي مستشفيات مغربي الذي أسست المركز فيها.

– حدثنا عن مبادرة “وجبة الراكب الكفيف” وكيف نجحت في تحويل تجربة السفر لدى الكفيف إلى تجربة أكثر إنسانية؟

قصتها طويلة سأجملها فيما يلي: هي فكرة تقدمت بها إلى إدارة جهاز الطعام بالخطوط السعودية، إبان عملي فيها كمدرب خدمة جوية، وقد أشرف ونفذ الفكرة فريق عمل فني بقيادة الزميل د. منصور الحسيني. وقد بلورت بناء على دراسة استطلاعية، ولقاء مفتوح مع مكفوفين، بمعهد النور بمكة المكرمة، قبل أكثر من 32 عامًا. والحقيقة انها لم تكن مجرد فكرة وجبة للأكل فقط، بل كانت خدمة متكاملة للمسافرين المكفوفين، قامت على أساس تدريب العاملين في الخدمة الجوية على مهارة التعامل معهم، وترميز أمتعتهم وحقائبهم لإيجادها بسهولة في محطة الوصول، واختيار مقاعدهم في الطائرة في أماكن سهلة الوصول إلى أبواب الطوارئ، ودورات المياه، وبعيدًا عن ضوضاء المحركات مراعاة لحاسة السمع التي يعتمدون عليها. وتوفير بطاقة إرشادات السلامة لهم على الطائرة، ومجلة بطريقة برايل، ولائحة طعام مكتوبة بطريقة برايل، توضح أسماء ومواقع محتويات الصينية، حسب عقارب الساعة، وتحضير وجبات اللحوم والأسماك كقطع صغيرة، خالية من العظم أو الشوك، والسلطات والحلويات خالية من السوائل وسهلة التناول باليد أو بالشوكة دون الحاجة إلى استخدام السكين. مع توفير منديل قماشي مع الصينية لاستخدامه عند الحاجة للوقاية من تساقط الأطعمة على الثياب. وتخصيص رمز خاص للخدمة في نظم الحجز الآلي بالخطوط السعودية، ليتمكن الكفيف من طلبها عند الحجز للسفر، واشعار أجهزة الخدمة المعنية بموعد سفر الكفيف لتجهيز الخدمة لهم.

وقد أطلقت على تلك المنظومة (خدمة وجبة الراكب الكفيف). التي وُضع كود خاص بها، وأشعر بها آنذاك الرابطة الأمريكية للتموين والرابطة الدولية لتموين السفر التي كافأت الخطوط السعودية على الفكرة، وأقرت ابتكارها الإبداعي وجهودها المتميزة، من حيث درجة الإبداع والابتكار والإضافة، ومستوى الجودة وفاعلية التطبيق، التي أدت إلى تحسين وترقية مستوى الخدمة وتحقيق أثر إيجابي، في اقتصادياتها وتعزيز المستوى الصحي ورضا العميل.

– كمستشار وناشط دولي، ما أبرز التحديات التي واجهتها أثناء عملك مع منظمات دولية؟ وما الرسالة التي كنت تحرص على إيصالها عن الكفيف العربي؟

في الواقع كانت مشاركاتي في عدد من المنظمات الدولية المرتبطة بخدمات ضعف البصر وإعادة التأهيل، وأيضًا مكافحة العمى الممكن تفاديه، كان ذلك بحكم شغلي لمنصب أمين عام جمعية إبصار، وعضو مجلس إدارة اللجنة الوطنية لمكافحة العمى، فقد اخترت في العام 2006م بدورة واحدة في لجنة المساندة والعلاقات العامة بالوكالة الدولية لمكافحة العمى (IABP) المنبثقة عن منظمة الصحة العالمية. كذلك اخترت من قبل المجلس الدولي لتعليم الأشخاص ذوي الإعاقة (ICEVI) كممثل عنه في المملكة العربية السعودية، ضمن مشروع المجلس الذي كان يهدف إلى تعليم 4 مليون طفل معاق بصرياً محرومين من التعليم حول العالم.

وانضممت إلى عضوية الرابطة العالمية لأبحاث ضعف البصر وإعادة التأهيل. وكان من أهم التحديات التي واجهتها في ذلك الوقت هو نقص الوعي المحلي بأهمية العمل مع تلك المنظمات من قبل المنظمات الأهلية المحلية العاملة في مجال خدمات ذوي الإعاقة البصرية. كذلك قلة الموارد المالية اللازمة لمتابعة وحضور الأنشطة بصفة مستمرة والتفرغ لتنفيذ البرامج والتوصيات اللازمة من أجل تنمية وتطوير خدمات ضعف البصر وإعادة التأهيل محليًا وإقليميًا.

– تأثرت كثيرًا بجدك الأديب طاهر زمخشري، كيف كانت علاقتك به؟ وكيف انعكس هذا التأثير على مسيرتك الأدبية؟

الأديب طاهر عبد الرحمن زمخشري، يعد أحد رواد العمل الإذاعي والتجديد في الشعر السعودي، وأحد أبرز صُنّاع النهضة الثقافية في المملكة، بحسب وصف وزارتي الإعلام والثقافة، هو جدي لأمي وقد نشأت في كنفه، إذ أن والدي رحمه الله توفي وأنا لم أبلغ السادسة من عمري، فكفلنا وعاشنا سويًا معه تحت سقف بيت واحد، زهاء العشرين عام، حتى وفاته في العام 1987م.

وقد تحدثت بالتفصيل عن علاقتي به ورحلتي معه إلى تونس، في طفولتي في الجزء الثاني، من كتابي رحلتي عبر السنين، ولعلي تعلمت منه الكثير، الأمر الذي جعلني أشرع في كتابة سيرته الذاتية، فكانت هذه انطلاقتي الأدبية.

المقالة السابقة
شهادة حية.. استمرار معاناة ذوي الإعاقة في مخيمات اللجوء بغزة
المقالة التالية
ناشط يقترح تطبيق تجربة شاطئ الإسكندرية في الكويت لدمج ذوي الإعاقة