مصر – جسور – شيماء اليوسف
شاب فقده بصره، فساقته الأقدار ليكون ملهما وداعما للكثير من ذوي الإعاقة، خصوصا من فقدوا أبصارههم، فأسس فريق “بوصلة كفيف” ليبدأ فاصلا جديدا من التحدى، وتغيير المفاهيم السائدة عن فاقدي البصر في مصر.
هو أحمد حسام الكراني، المولود في محافظة الجيزة، وتخرج في كلية الآداب، بجامعة عين شمس، عمل مدربًا في المشروع الرئاسي “مودة” التابع لوزارة التضامن الاجتماعي، وفي مشروع “نتشارك” بالتعاون بين وزارة الشباب والرياضة، ومنظمة اليونيسف، كما شارك كعضو في برلمان شباب الجيزة، ومدرب في مشروع “قيم وحياة” بمؤسسة أجيال مصر.
ونظرًا لجهوده في نشر الوعي المجتمعي بحقوق فاقدي البصر، حاورته “جسور” لنتعرف على محطات رحلته في التحدي وصناعة الأمل.
- حدثنا عن البدايات.. ما الذي دفعك لتأسيس فريق “بوصلة كفيف”؟ وما التحديات التي واجهتك في البداية؟
البداية كانت من إحساسي بوجود فجوة كبيرة بين احتياجات الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية والخدمات المتاحة لهم، كنت أرى الكثيرين ممن يمتكلون قدرات وإمكانات هائلة، لكن الفرص غير متوفرة، لذلك قررت أن أبدأ بتكوين “بوصلة كفيف” حتى يصبح مساحة للتمكين، وليس للشفقة، كان أولى التحديات التي قابلها الفريق هي مشكلة إقناع الناس أن المكفوفين لا يحتاجون مساعدة، بقدر حاجتهم إلى الأدوات والفرص العادلة مثل الجميع.
- ما هي اللحظة الفارقة في حياتك التي قررت فيها ألا تستسلم وأن تبدأ مشوارك في العمل المجتمعي؟
لقد شعرت بتأثيري الحقيقي بعد تأسيس “بوصلة كفيف”، لكن اللحظة التي غيرت مساري، عند عملي كمدرب في مشاريع مجتمعية كبيرة، تابعة للحكومة المصرية أو مؤسسات المجتمع المدني، أثناء خوض هذه التجارب أدركت بالفعل أن الدمج ليس مجرد فكرة بل مشروع حياة، اندماجي مع هذه الفئات المختلفة أظهر لي أثر الدمج الحقيقي، وأن صوت المكفوفين، لابد أن يصل ليس فقط من خلال المبادرات، بل في السياسات، والبرامج، والمجتمع كله.
- كيف ساهم تخصصك في علم الاجتماع في تشكيل وعيك بقضية ذوي الإعاقة واحتياجاتهم؟
علم الاجتماع ساعدني في فهم الإعاقة كجزء من المنظومة الاجتماعية، وليس كحالة فردية، لقد تعملت أن التغيير لابد أن يبدأ من الفرد نفسه، لكي يؤثر حوله سواء داخل البيئة التي يعيش فيها، أو في التشريعات التي تنظم حياته، أو في طريقة تعامل المجتمع معه، وهذا بدوره انعكس على شخصيتي في مجال العمل ، من أول بناء المبادرة وحتى تصميم المحتوى التدريبي.
- ما الرؤية التي بنيت عليها الفريق؟ وما نوع الدعم الذي تقدمه “بوصلة كفيف” للأشخاص ذوي الإعاقة البصرية؟
رؤيتنا في “بوصلة كفيف” هي تمكين الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية ليصبحوا فاعلين ومندمحجين في كل نواحي الحياة، ولقد عملنا على التوعية والتدريب العملي، وقدمنا نموذج للدمج وأعددنا مجموعة من القواعد الأساسية التي تنظم عملنا ومنها تنظيم لقاءات مع معلقي كرة القدم، لتدريبهم على وصف المباريات بأسلوب يفهمه المكفوفين، دمج المكفوفين في الأنشطة الشبابية مع برنامج مشواري بوزارة الشباب والرياضة، رفع الوعي القانوني من خلال شرح الدستور المصري، حتى يعرف المكفوفين حقوقهم وواجباتهم القانونية، توظيف عدد 500 كفيف بالتعاون مع وزارة القوى العاملة وغير ذلك.
- هل يمكن أن تشاركنا قصة أو موقف إنساني تأثرت به خلال عملك مع الفريق؟
من أكتر المواقف التي لمستني، كانت رسالة من أم بعد نشرنا حلقة توعوية، عن أهمية استخدام العصا البيضاء، قالت إن ابنتها ذات الاعاقة البصرية، رفضت استخدام العصا بسبب نظرة الناس، لكنها بعد الحلقة تشجعت وبدأت تستخدمها، وشعرت بثقة لأول مرة. هذا الموقف كان خير دليل أن ما نقوم به من عمل له أثر حقيقي.
- ما هي أبرز الإنجازات التي حققها الفريق حتى الآن؟
لقد حقق الفريق مجموعة من الإنجازات التي نعتز بها، ومنها توظيف أكثر من 500 شخص كفيف، تنفيذ تدريبات لدمج ذوي الإعاقة البصرية ضمن برنامج “مشواري”، تحسين وصف وتقديم المباريات للمكفوفين، المشاركة في فعاليات كبرى بحضور معالي وزير الشباب والرياضة.
- شاركت كمدرب في عدة مشاريع حكومية ومبادرات مجتمعية.. ما الذي تعلمته من العمل مع “مودة” و”نتشارك” وغيرها؟
مشاركتي مع مشروع “مودة” علّمني كيفية دعم الوعي الأسري، وتقوية الروابط المجتمعية، أما “نتشارك” فتح لي مجال تصميم وتنفيذ المبادرات المجتمعية، كذلك مشاركتي في مشروع “قيم وحياة” كان حافزاً للتركيز على القيم الإنسانية الأساسية، وجعلني أثق أن التغيير الحقيقي يبدأ من الداخل، من المبادئ والتفاعل مع الآخر.
- كيف تقيّم اهتمام المؤسسات الحكومية حاليًا بقضية تمكين ذوي الإعاقة؟
الاهتمام في الواقع موجود، ونلاحظ بالفعل وجود مبادرات ومحاولات جدية، لكن لايزال الطريق طويل، فإن عملية التمكين لن تحدث بدون مشاركة ذوي الإعاقة أنفسهم، في التخطيط والتنفيذ، ودمجهم في صناعة القرار، إن الواقع يقر أن المؤسسات بدأت تتحرك، بالفعل والمطلوب هو استمرارية وتنسيق حقيقي بين الجهات.
- كيف ساهمت لقاءاتك الإعلامية (التلفزيونية والإذاعية) في نشر رسالتك؟
الإعلام ساعدني في وصول رسالتي وصوتي لفئات أوسع، وساعدني في شرح التحديات التي يواجهها المكفوفين بشكل مباشر. لكن الأهم إنه ساهم في “نشر الوعي المجتمعي، ودفع الكثيرين للبحث عن ذوي الإعاقة، والتعرف على قضاياهم والشعور بوجودهم في المجتمع، كل لقاء إعلامي يمثل فرصة لتغييّر نظرة المجتمع إلى مختلف فئات الإعاقة.
- هل ترى أن صورة ذوي الإعاقة في الإعلام تغيرت خلال السنوات الأخيرة؟ وما الذي تتمنى أن يتغيير ؟
الصورة بدأت تتحسن، وبدئنا نرى نماذج إيجابية وحقيقية، لكن لايزال هناك تنميط إعلامي يربط بين الإعاقة والشفقة أو يربط بين الإعاقة والبطولة الخارقة، أرجو أن يركز الإعلام على الإنسان العادي في شكل متوازن بين الصورتين.
- ما هو حلمك الأكبر الذي تسعى لتحقيقه على المستوى الشخصي والمجتمعي؟
أتمنى أن أرى نظام متكامل في مصر يخدم الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية، من التعليم للتوظيف، مرورًا بالتنقل والتقنيات المساعدة.وعلى المستوى الشخصي، أتمنى أن أكون سبب حقيقي للتغيير الإيجابي في حياة ذوي الإعاقة.
- كيف ترى مستقبل الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية في مصر؟
يقيناً أؤمن أن المستقبل في صالحنا، لأن الوعي يتغير يومياً، والفرص تفتح أبوابها، لو داومنا على العمل الجاد والتعاون بين المجتمع المدني والحكومة، والمبادرات مثل “بوصلة كفيف”، سوف نتمكن من خلق بيئة حقيقية للدمج والتمكين، وليس مجرد مجاملة شكلية.
- ما الرسالة التي تحب أن توجهها للشباب الذين يواجهون صعوبات وظروفًا قاسية؟
أقول لهم أن الحياة الصعبة تصنع الأشخاص الأقوياء، أقول لهم خذوا الخطوة ولو كانت صغيرة وبسيطة، واغتنموا الفرص لتثبوا وجودكم وتحققوا النجاح، وتأكدوا أن كل إنسان ناجح يمر بتجربة صعبة، لكنه يستمر ويواصل حتى يحقق مراده.