حين تجتمع القلوب على الحلم، يصبح المستحيل مجرّد محطة في الطريق.. بهذا الإيمان، اجتمعت مجموعة من الأمهات المصريات ليروين للعالم قصة مختلفة.. قصة لا تبدأ بالعجز، بل بالإرادة، ولا تنتهي بالتحدّي، بل بالفنّ.
هكذا وُلدت فرقة “دريم باند – قادرون باختلاف”، صوت من نور في سماء الفن المصري، تقوده أمهات رفضن أن تكون الإعاقة نهاية الحكاية، فصارت بدايتها.. غنّى الأطفال، وتعلّموا، وتألقوا على المسارح، وحققوا ما ظنه البعض بعيدًا، وغنّى معهم نجوم كبار.. لكن الأهم أنهم غنّوا لأنفسهم أولًا، للحلم، وللأمل.
تقول “هدى”، إحدى الأمهات المؤسِّسات للفرقة الموسيقية ووالدة “عاصم” عضو الفرقة، إن الفرقة بدأت قبل عامين وتتكوّن من ستة أعضاء، بينهم ثلاث فتيات وثلاثة فتيان. وتصف هدى إعاقاتهم بأنها متنوّعة بين إعاقة بصرية (مهند، تاليا، جاسي، فريدة)، وإعاقة ذهنية وتوحّد (ستيفن،عاصم).
تتذكر “هدى”، صاحبة الفكرة الأولى، صديقتها والدة الطفلة “تاليا”، أصغر أعضاء الفرقة سنًّا، والتي طرحت فكرة تكوين الفرقة الموسيقية بعد أن جمعت الأمهات جلسة خلال حفل “قادرون باختلاف” الذي أُقيم برعاية رئاسة الجمهورية.

تشير “هدى” إلى أن مهمتهن لم تكن مستحيلة، فالأطفال يدرسون الغناء في أكثر من جهة، أبرزها فصل المواهب بدار الأوبرا المصرية، حيث يتدرّبون على الغناء منذ سنوات، كما تلقّى جميعهم دروس الإنشاد في مدرسة المنشد الشيخ محمود التهامي، بما فيهم ستيفن، أما أكبر ثلاثة أعضاء، فهم يدرسون حاليًّا في الكونسيرفاتوار.
الأمهات تصنع المعجزة
أما عن دور الأمهات في إدارة الفرقة، فتقول “هدى” إنهن يخترن الأغاني حسب طبيعة كل مناسبة، مثل المناسبات الوطنية والدينية، وغالبًا ما يتم تدريب الأطفال في منزل إحدى الأمهات.
وحتى الآن لا تملك فرقة “دريم باند – قادرون باختلاف” أغاني خاصة بهم، ويعتمدون على اختيار الأغاني التراثية أو المعروفة، أو يقدمون ميدلي (وصلة غنائية) لأغنيات فنان معيّن، إلى أن يتحقق هدفهم المستقبلي بخروج أولى أغنياتهم إلى النور.
ولأن الذكاء الاصطناعي أصبح لغة العصر، تؤكد “هدى” أن الأمهات يستخدمن تطبيقات تساعد على تحويل الفيديوهات إلى مقاطع صوتية، بالإضافة إلى برامج تعديل النوتات الموسيقية بما يتلاءم مع طبقات أصوات أعضاء الفرقة.
“أحيانًا تتعارض أوقات الدراسة مع أوقات التدريب، خاصة قبل الحفلات الكبرى مثل (قادرون باختلاف) الذي استغرق التحضير له شهرين كاملين”، هكذا تصف “هدى” بعض الصعوبات التي تواجه أطفالهن.
كما أن التوفيق بين مسؤوليات الأمهات في المنزل وتدريبات الأولاد لم يكن سهلًا، لكنه كان ممكنًا بالإصرار والتعاون.

حفلات كثيرة شاركت الفرقة في إحيائها، مثل حفلات الاتحاد الرياضي للإعاقات الذهنية، وحفلات مؤسسة “مصر الخير”، ومؤسسة “مانحي الأمل الدولية”.
ولكن تظل احتفالية “قادرون باختلاف” هي الأهم، على حد وصف “هدى”، فقد تغيّر الكثير بعدها، أبرزها التغطية الإعلامية الواسعة واستضافتهم في برامج تلفزيونية عديدة، كما أصبح هناك اهتمام أكبر بالأبناء في المدارس.
نجوم الغناء يدعمون الفرقة
كثيرًا ما تعاني أمّ الطفل المعاق من النظرات المريضة، نظرات الشفقة أو التنمّر، لذا تتذكر “هدى” دائمًا، بكل فخر وفرحة، الكلمات التي تُشيد بجمال وعذوبة أصوات الأطفال أعضاء الفرقة، وتصفها بأنها “تظل الأجمل دائمًا”.
خاصة أن أعضاء الفرقة يدرسون الموسيقى بشكل احترافي، ويساعدون بعضهم البعض في البروفات، ما يمنح التجربة طابعًا إنسانيًّا خاصًّا.
تامر ودنيا سمير غانم والجسمي ومدحت صالح
تتذكر “هدى” دائمًا كل من دعم أطفال الفرقة ولو بكلمة، المخرجون وفِرق إعداد البرامج الذين تعاملوا معهم في بدايات تكوين الفرقة، والفنانون الكبار مثل النجم تامر حسني، الذي أشاد بأدائهم لإحدى أغانيه، والنجمة دنيا سمير غانم التي غنّت مع ابنها “عاصم”، والنجم حسين الجسمي الذي غنّى مع الطفل “ستيفن”. ودائمًا، كل من يتعرّف على الفرقة يدعمهم ويشجعهم، والمطرب الفنان مدحت صالح الذي غنى مع جاسي.
رسالة للأمهات ..ممارسة الهواية علاج نفسي
“ممارسة الهوايات ليست رفاهية، بل علاج نفسي وفني”، بهذه الكلمات توجّه “هدى” رسالةً لكل أم عربية: حتى لو لم يكن الطفل موهوبًا، فإن التفاعل الجماعي يُعدّ جزءًا أساسيًّا من العلاج، وقبول الطفل كما هو، ومشاركته في أنشطة مع الآخرين، يُشعره بالأمان والحب، ويعزز ثقته بنفسه.

الأحلام ليست مستحيلة
أما مهند عماد، أحد أبطال الفرقة الملهمة، 17 عامًا، وطالب بالصف الثاني الثانوي، يدرس في الكونسيرفاتوار، ويُعدّ بطلًا في السباحة أيضًا.
يقول مهند: “أُرتّب جدول يومي لأنظّم وقتي بين الدراسة والتدريبات. البروفات ليست كثيرة إلا قبل الحفلات، وغالبًا ما تكون أقرب للقاء أصدقاء منها إلى عمل رسمي”.
ويضيف: “وأحيانًا تحدث مواقف صعبة أثناء تصوير الأغاني، لأن الأمهات، مدراء أعمالنا، يحرصن على أن تخرج الأغنية بأفضل صورة ممكنة”.
يصف مهند رد فعل الجمهور أثناء الحفلات بالمبهج: “الناس تنبهر بأدائنا، ونسمع كلمات الإعجاب والفرح من كل مكان. نحن نغني بثلاث لغات: العربية، والإنجليزية، والفرنسية، ونقدّم ألوانًا مختلفة، ورغم الإعاقة نستطيع أن نُبدع”.
أحلام مهند لا سقف لها، يتمنى أن توصل آلة سحرية إلى كل من يسمعها مدى ما يشعرون به من الفرح والبهجة التي تغمرهم عندما يغنّون، ويتمنى أيضًا أن تصل إليهم أحلامهم من خلال أصواتهم.
كثيرة هي أحلام مهند، يحلم بتبنّي موهبة طفل خائف من صعوبة البدايات، ويدفعه للغناء كما بدأ هو، ويحلم بتطوّر تجربته وموهبته في مجال الغناء، ويحلم أيضًا بأن يكبر ليكون مذيعًا وإعلاميًّا مؤثرًا.
ويتذكر لقاءه بالفنان مصطفى شعبان، وتجربته كمذيع أثناء استضافته في إحدى اللقاءات، وتجربة برنامجه الإذاعي الذي يحكي فيه القصص بصوته.
أحلامه ليست فنية وإعلامية فقط، فمهند البطل الرياضي يحلم أيضًا بالانضمام لمنتخب السباحة، وإحراز بطولات عالمية.
ليتبقى حلمه الأخير، له ولكل أصدقائه في فرقة “دريم باند”: أن تصبح الفرقة عالمية، تغني بكل لغات العالم، وأن يظلوا أصدقاء إلى الأبد.