جسور – وكالات
أطلق فريق بحثي سويسري دراسة رائدة تتناول التحديات التي تعيق تمكين ذوي الإعاقات البصرية من الوصول الكامل إلى الخدمات الرقمية الحكومية، رغم التقدم التشريعي في هذا المجال، في خطوة مهمة نحو تحقيق رؤية “المجتمع 5.0″ التي تقوم على تمركز التكنولوجيا حول الإنسان.
الدراسة، التي جاءت بعنوان “نحو مجتمع رقمي شامل: إطار الوصول الرقمي للمواطنين المكفوفين في الإدارة العامة السويسرية”، هي ثمرة تعاون بين الباحثة سابينا فيرن، والخبيرين هيرمان غريدر وكريستوفر شيرب، ونُشرت في مارس 2025 على منصة arXiv المتخصصة في الأبحاث العلمية.
فجوة بين النصوص والواقع
رغم التزام سويسرا باتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وتشريعاتها التي تلزم الإدارات العامة بجعل خدماتها الرقمية متاحة للجميع، تكشف الدراسة عن وجود فجوة ملحوظة بين ما تنص عليه القوانين، وما يُطبق فعليًا في المؤسسات الحكومية.
ويوضح الفريق البحثي أن أبرز العوائق تكمن في:
- نقص الموارد البشرية والتقنية المتخصصة في الإتاحة الرقمية.
- تشتت المسؤوليات بين الجهات المعنية بتنفيذ معايير الوصول.
- غياب آليات رقابة فعّالة تقيس جودة التجربة الرقمية للمستخدمين من ذوي الإعاقات.
إطار إداري جديد: من التشريع إلى التطبيق
بهدف معالجة هذه التحديات، طوّر الباحثون إطارًا عمليًا سموه “الإطار الإداري الشامل للإتاحة الرقمية” (Inclusive Public Administration Framework)، وذلك بالاستناد إلى منهجية تصميم العلوم (Design Science Research) التي تدمج البحث النظري بالتطبيق العملي.
يرتكز هذا الإطار على دمج عنصرين رئيسيين:
- إرشادات الوصول إلى محتوى الويب (WCAG) الصادرة عن منظمة W3C، وهي المعيار العالمي لضمان تيسير المحتوى الرقمي.
- منهجية HERMES، وهي إطار معتمد في سويسرا لإدارة المشاريع الحكومية، يوفّر أدوات تنظيمية لتخطيط وتنفيذ ومراقبة المبادرات الرقمية.
من خلال هذا الدمج، يوفر الإطار الجديد خارطة طريق للإدارات العامة السويسرية، تساعدها على دمج معايير الوصول في جميع مراحل تطوير الخدمات الرقمية: بدءًا من تحليل الاحتياجات، مرورًا بالتصميم، وصولًا إلى الاختبار والتقييم.
توصيات استراتيجية
تقدم الدراسة مجموعة من التوصيات القابلة للتنفيذ، أبرزها:
- بناء قدرات داخلية من خلال تدريب الموظفين على مبادئ التصميم الشامل.
- تخصيص ميزانيات مستقلة لضمان دمج معايير الوصول في المشاريع التقنية.
- إشراك المستخدمين ذوي الإعاقة في الاختبار والتطوير، لضمان مواءمة الخدمات مع احتياجاتهم الواقعية.
- تعزيز التنسيق بين الوزارات لتفادي ازدواجية الجهود وتشتت المسؤوليات.
من سويسرا إلى العالم
رغم أن الدراسة تركز على السياق السويسري، إلا أن نتائجها وتوصياتها تحمل بعدًا عالميًا، وتقدم نموذجًا يُحتذى به للدول الساعية نحو التحول الرقمي الشامل.
ويحذر الباحثون من أن تجاهل معايير الوصول الرقمي لا يؤدي فقط إلى انتهاك حقوق الإنسان، ولكن يسهم بدوره في تعميق الفجوة الرقمية، ويقوّض الثقة في الخدمات العامة.
نحو مستقبل رقمي منصف
في ختام الدراسة، يؤكد الفريق البحثي أن ضمان الإتاحة الرقمية لذوي الإعاقات البصرية هو حق أساسي وجزء لا يتجزأ من العدالة الاجتماعية.
ويدعو الباحثون إلى تبني رؤية تحولية تعترف بأن بناء مجتمع رقمي عادل لا يتحقق إلا من خلال تغيير الثقافة المؤسسية وتوسيع مفهوم “المواطنة الرقمية” ليشمل الجميع دون استثناء.