غزة: جسور ـ منوعات
يعيش الفلسطينيون تبعات الإبادة الإسرائيلية الوحشية في قطاع غزة عقب اتفاق وقف إطلاق النار، إذ لم يستفيقوا بعد من أهوال ما رأوه، وما يزال القطاع شاهدا على قصص تظهر بشاعة المجازر التي ارتكبتها قوات الاحتلال.
العداء خالد نوفل، من ذوي الاحتياجات الخاصة، لم يدرك أن شوارع مدينة غزة التي كان يجوبها على دراجته ليتنفس هواء بحرها، ستصبح شاهدة على ألم جديد يكمن في أن دراجته التي كانت امتدادا لحريته، أصبحت حلما مفقودا كساقه اليمنى التي بترت جراء إصابته برصاص الجيش الإسرائيلي.
وكأن قوات الاحتلال تريد أن تقول له بترنا قدمك، واليوم نسلبك دراجتك الهوائية التي كانت تعيلك على مواجهة الإعاقة، لتغدو صفر اليدين .
نوفل، شاب فلسطيني يبلغ 29 عامًا، مبتور القدم، وأحد أعضاء فريق دراجو البتر في فلسطين ، وشارك في جولات ورحلات جماعية رياضية تعكس الوجه الجميل لغزة التي كانت تعج بالحياة قبل الإبادة الجماعية التي ارتكبتها إسرائيل على مدار أكثر من 15 شهرا.
فقد نوفل قدمه اليمنى جراء إصابته بعيار ناريّ أطلقه الجيش الإسرائيلي عليه أثناء مشاركته بفعاليات مسيرات العودة على طول الحدود الشرقية لقطاع غزة عام 2018.
ومع بداية الإبادة الإسرائيلية بغزة، كان خالد قلقًا على شقيقه الأكبر الذي يعمل في مستشفى الصداقة التركي وسط قطاع غزة، بعد غيابه عن العائلة 25 يوما، وقرر الذهاب للاطمئنان عليه، ولم يكن يدري أن زيارته ستفقده دراجته الهوائية التي اعتاد ركوبها والاعتماد عليها.
يقول نوفل عندما توجهت إلى المستشفى تفاجأت بوجود جيش الاحتلال الإسرائيلي في الجوار، حيث فرض حصارا على المكان، ومنع المتواجدين من مغادرته سيرا على الأقدام أو عبر أي وسيلة نقل خاصة، وإنما عبر مركبات تابعة لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، تاركين وراءهم كل ما يملكون .
ومستذكرا لحظات فقده دراجته، يضيف اضطررنا للخروج من المستشفى دون أن نأخذ شيئا، وكنت أظن أنني سأعود لدراجتي لاحقا، لكنني لم أعد أبدا، وذهبت دراجتي كحال أي شيء آخر فقدناه، إلا أن فقدانها يعني لي الكثير الكثير .
وظل نوفل يتحين الفرصة لاستعادة دراجته، كأنه يبحث فيها عن بقايا حياة، فانتظر اتفاق وقف إطلاق النار، وهرع إلى المكان يبحث عنها، لكنه يقول ذهبنا حيث تركنا أمتعتنا ودراجتي على أمل استعادتها، لكننا لم نجد شيئا، بما فيه دراجتي .
ومصرا على استكمال حياته رغم تبعات الإبادة، لم يستسلم نوفل، وهو من سكان مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، بل خرج في جولة استكشافية في مدينة غزة بدراجة هوائية لأول مرة منذ بدء الإبادة، بعد أن استعارها من أحد أصدقائه.
ولم يكن الطريق كما اعتاد عليه سابقا، فالركام يملأ المكان، والحفر العميقة تشهد على القصف الإسرائيلي العنيف، لكنه رغم ذلك قرر أن يعود إلى عادته القديمة ليثبت لنفسه وللعالم أن غزة ورغم الدمار لا تزال تنبض بالحياة، حسب قوله.
اليوم، يقف نوفل في مدينة غزة المنكوبة بفعل حرب الحرب الإسرائيلية، دون دراجته الهوائية، ينظر إلى الشوارع فلا يرى إلا الدمار. ومتأثرا بمشاهد الدمار، يقول نوفل أنا حزين اليوم على غزة، لأنني أراها مجرد كومة من الركام بعد أن كانت تنبض بالحياة .
ويصف المدينة قائلًا غزة مدينة ساحلية جميلة بمدنها وشوارعها وبأهلها وكل شيء فيها، والبحر بجوارها يمنحها روحا، وشوارعها كانت مليئة بالفرح، لكن كل شيء مختلف اليوم .
ويضيف بنبرة حزن غزة حزينة على شهدائها وجرحاها وأسراها، وعلى هذا الكم الكبير من الدمار الذي نشاهده اليوم. وكأن زلزالًا ضربها .
ومعبرا عن تعلقه بالديار رغم الكم الهائل من التدمير الإسرائيلي، يقول: هذه الأرض لنا، وسنعيش عليها كما كنا، والإبادة لن تأخذ منا أكثر مما أخذت، وسنستمر في كل شيء، حتى لو كان ذلك أصعب من قبل .
وبابتسامة ممزوجة بالألم، ينطلق نوفل بدراجته بين أنقاض مدينة تحاول النهوض من تحت الركام.
وبحسب المكتب الإعلامي الحكومي بغزة، فإن إسرائيل دمرت على مدار أكثر من 15 شهرا نحو 88 بالمئة من البنى التحتية بالقطاع بما يشمل المنازل والمنشآت الحيوية والخدماتية.