جسور – وكالات – فاطمة الزهراء بدوي
في مدينة تشيناي الهندية، حيث تقاطع التقدم التكنولوجي مع القضايا الإنسانية، شهدت الهند انطلاقة لافتة لمعرض “Tech4All 2025″، الذي عُقد على مدار يومي 12و 13 يونيو الجاري، بمشاركة واسعة من خبراء التكنولوجيا ومطوري الأجهزة المساعدة وممثلي المجتمع المدني، وعشرات الأشخاص من ذوي الإعاقة، الذين كانوا محور هذا الحدث.
استعرض المعرض، الذي نظمته مجموعة من الشركات الناشئة والمؤسسات التقنية المحلية والدولية، باقة من أحدث الابتكارات في مجال الأجهزة المساعدة، التي صُممت خصيصًا لتمكين الأفراد من ذوي الإعاقة من التنقل والتفاعل والتعلم والعمل بشكل مستقل وأكثر كرامة. فكان بمثابة منصة للعرض، ومساحة مفتوحة لتجربة هذه التقنيات “من قلب الواقع”، حيث جرى إشراك الحضور في تجارب حية تعكس الأثر المباشر لتلك الابتكارات في حياتهم اليومية.
من التجريب إلى التمكين
من أبرز المعروضات كانت الكراسي المتحركة الذكية القابلة للتعديل التلقائي، والتي تستخدم مستشعرات الحركة والذكاء الاصطناعي لتكييف وضعية الجلوس مع احتياجات المستخدم، فضلًا عن أطراف صناعية متقدمة تعمل بالطاقة العضلية، ونظارات الواقع المعزز التي تُترجم الإشارات البصرية إلى أوامر صوتية للأشخاص من ذوي الإعاقات البصرية.
وقد أتيحت للمشاركين إمكانية تجربة هذه الأجهزة بأنفسهم، الأمر الذي أثار تفاعلًا إنسانيًا لافتًا. إحدى الزائرات، وتُدعى نيلانجانا، قالت: “لقد جلست على كرسي كهربائي لم أكن أتخيل أن يستجيب لحركات رأسي بهذا الدقة.. شعرت وكأن التكنولوجيا تنصت لاحتياجاتي”.
تكنولوجيا بتكلفة في المتناول
لم يقتصر المعرض على عرض منتجات باهظة، ولكن حرصت الجهات المنظمة على تقديم نماذج أولية بأسعار منخفضة تناسب شرائح واسعة من المستهلكين في دول الجنوب. إذ عُرضت كراسي متحركة مصنوعة من مواد محلية خفيفة الوزن، وأجهزة تواصل محمولة تعمل بتطبيقات مفتوحة المصدر.
وأوضح “فيشوا كومار”، أحد مهندسي المشروع، أن الفكرة الجوهرية للمعرض هي “الانتقال من الشفقة إلى الشراكة”، عبر تمكين ذوي الإعاقة من قيادة مشروعات الابتكار بأنفسهم، سواء كمستخدمين أو مطورين.
إشراك مجتمعي وشراكات دولية
شارك في المعرض ممثلون عن مؤسسات حكومية ومراكز بحوث وجمعيات حقوقية، إضافة إلى طلاب جامعيين يعملون في مجالات تصميم الأجهزة الحيوية والتكنولوجيا المساعدة. كما أُعلن عن عدة شراكات مع مؤسسات دولية من كندا وألمانيا لتوسيع نطاق تصنيع وتوزيع هذه الأجهزة في دول آسيا وأفريقيا.
وأكدت “سويذها رادهاكريشنان”، منسقة الفعالية، أن هذه النسخة من المعرض تُمثل نقلة نوعية على مستوى الهند، وفي النظرة العالمية لقضايا الإعاقة، مشددة على أن “الدمج لا يعني فقط التكييف مع المجتمع، بل إعادة تصميم المجتمع ليصبح قابلًا للاحتواء”.
رسالة أمل ورؤية للمستقبل
حمل المعرض رسالة إنسانية بليغة، وهي أن التكنولوجيا لا يجب أن تكون حكرًا على الأصحاء أو الأغنياء، وهي من حق الجميع وبخاصة من يعيشون مع تحديات يومية، أن يصلوا إلى أدوات تساعدهم في نيل حريتهم الكاملة في الحركة والتواصل والعمل.
ومع ختام فعاليات Tech4All 2025، بدا واضحًا أن الهند تسير بخطى ثابتة نحو تحويل المدن إلى بيئات أكثر شمولًا وعدلًا، بفضل تكنولوجيا لا تنفصل عن القيم.