في بلدة المريعية بريف دير الزور بسوريا، تتجسد حكاية المتطوع أبو صگر كرمز للشجاعة والصمود، بعد أن فقد بصره أثناء مشاركته في إزالة الألغام ومخلفات الحرب، ورغم إصابته البالغة لا تزال أمنيته أن يرى قريته خالية من هذه الأخطار حتى يعيش أهلها بأمان.
وقد نشرت المنصة السورية الجمهورية نت تقريرًا مصورًا يوثق القصة المليئة بالألم والإصرار، مسلطًا الضوء على حجم الكارثة الإنسانية التي تمثلها مخلفات الحرب في سوريا خصوصًا في دير الزور وريفها. فالألغام والقنابل العنقودية تشكل تهديدًا يوميًا للمدنيين وتعيق عودة الأهالي بعد سنوات من النزوح، في منطقة عاشت 14 عامًا متواصلة من الحروب والدمار.
يروي أبو صگر تفاصيل الحادث قائلاً:”وصلنا بلاغ بوجود لغم في منطقة غرب التيم بريف دير الزور. ذهبت أنا والفريق وبدأنا برفع الألغام. فككنا حوالي ثلاثة لكن الرابع كان مفخخًا وانفجر. بعد التحرير رجعنا إلى قريتنا بعد نزوح 14 سنة، وكانت قريتنا بجوار مطار دير الزور، مليئة بالألغام والمخلفات والمنازل المدمرة”.
وبإمكانات بسيطة بدأ أبو صگر مع فريق من أربعة أو خمسة متطوعين فقط بتنظيف القرى والبيوت من مخلفات الحرب. كانوا يجمعون القذائف والقنابل في مكان بعيد عن التجمعات السكنية وكلما عاد أحد الأهالي من النزوح كانوا يذهبون لتنظيف محيط منزله من أي ألغام.
يقول:”لم تكن لدينا أجهزة متطورة ولا إمكانيات. كنا نضطر لتجميع إطارات السيارات وتكديسها فوق اللغم وتفجيرها. حتى القرى المجاورة كانت تستعين بنا. في إحدى المرات ذهبنا لإزالة حقل ألغام وبعد نجاحنا عاد الناس لاستخدام الأرض، لكن بعد فترة انفجر لغم آخر واستشهد أحد أعضاء الفريق، بينما أصبت أنا وزميلي وفقدنا بصرنا.”
الإصابة كانت مأساوية، إذ فقد أبو صگر عينه اليمنى بينما تمزقت قرنية العين اليسرى وأصبح عاجزًا عن الإبصار. فيما عاش زميله التجربة نفسها. ويشير إلى غياب الدعم الطبي:
“لم يكن لدينا سيارة إسعاف ترافقنا كما يجب أن يكون في مثل هذه المهمات. بعد الانفجار، نُقلنا بسيارات مدنية إلى المستشفى الوطني، وهو ما زاد من صعوبة وضعنا.”
ورغم هذه المعاناة القاسية يحاول أبو صگر التكيف مع حياته الجديدة بعد فقدان البصر:”في البداية كان الأمر صعبًا جدًا، لكني حاولت التأقلم. الآن أعيش حياة طبيعية قدر الإمكان. ما أتمناه هو أن تزال جميع الألغام من القرى حتى يعيش الأطفال والأجيال القادمة بأمان، وأن تُطلق حملات توعية في المدارس لتعريف الأطفال بخطر الألغام والقنابل العنقودية وعدم الاقتراب منها أو لمسها”
قصة أبو صگر ليست مجرد حكاية فرد بل تعكس معاناة آلاف المدنيين في سوريا الذين يواجهون خطر الموت أو الإعاقة يوميًا بسبب الألغام ومخلفات الحرب. هي أيضًا دعوة عاجلة لتوفير دعم منظم ومتكامل يضمن إزالة هذه الأخطار من الأرض السورية ويمكّن أهلها من استعادة حياتهم بأمان.