“فينا خير” مبادرة مصرية لدعم الأطفال ذوي الإعاقة وتأهيل الأمهات مجانًا
القاهرة – جسور – شيماء اليوسف
ولدت مبادرة “فينا خير” كصيحة أمل أطلقتها الشابة المصرية سهيلة سامح، خلال سنوات دراستها الجامعية، فأسست مشروعًا مجانيًا يقدم دعمًا متكاملًا للأطفال، وأسرهم، والأخصائيين، إيماناً منها بأهمية العمل التطوعي في بناء المجتمع ورعاية ذوي الإعاقة ودمجهم في التنمية الاجتماعية، مجلة “جسور” أجرت معها هذا الحوار.
- كيف وُلدت فكرة مبادرة “فينا خير“؟ وما الدافع الحقيقي وراء إطلاقها؟
تبلورت فكرة “فينا خير” قبل ثلاث سنوات، أثناء فترة تدريبي الجامعي في عدد من المؤسسات والمراكز. لاحظت حينها وجود مشكلات متعددة تواجه ثلاث فئات أساسية: الأطفال من ذوي الإعاقة، أسرهم، والأخصائيين العاملين معهم. هذا التحدي المجتمعي ألهمني لإطلاق مبادرة شاملة ومجانية بالكامل، تهدف إلى دعم هذه الفئات الثلاث بطريقة متكاملة، وتقديم خدمات حقيقية تُحدث فرقًا في حياتهم، دون أي مقابل مادي.
- هل مررتِ بتجربة شخصية جعلك تهتمين بقضايا ذوي الإعاقةعلى وجه الخصوص؟
نعم، كان لأسرتي دور محفز كبير في بداية التفكير في المبادرة، إلى جانب تأثير زميل لي في الجامعة يُدعى محمد جمال، وهو أخصائي تخاطب وتعديل سلوك. عندما طرحت عليه فكرة المبادرة، شجعني بقوة وأكد لي أنها فكرة مميزة وتستحق التنفيذ، وكان دعمه المعنوي من الأسباب التي دفعتني للمضي قدمًا.
- ما مدى تأثير دراستك في مجال التربية الخاصة على وعيك وفهمك لواقع ذوي الإعاقة؟
قبل التحاقي بالجامعة، لم أكن أملك تصورًا دقيقًا عمّن هم ذوو الإعاقة، وكنت أراهم فقط من بعيد دون فهم احتياجاتهم الحقيقية. لكن خلال دراستي في تخصص التربية الخاصة، وتحديدًا من خلال تدريبي العملي وقراءاتي المتعمقة، بدأت أفهم عالمهم بشكل مختلف. أصبحت أكثر وعيًا بحقوقهم والتحديات التي يواجهونها، كما بدأت أتفاعل معهم عن قرب، وهو ما غيّر نظرتي جذريًا وجعلني أكثر التزامًا تجاههم.
- كيف بدأت خطواتك الفعلية لتنفيذ المبادرة؟ وهل تذكرين مواقف معينة أثّرت فيك ودعمت قرارك؟
منذ أن تخرجت في كلية التربية، قسم التربية الخاصة، بجامعة 6 أكتوبر. وأنا أعمل كأخصائية تخاطب وتنمية مهارات. لكن خلال دراستي الجامعية، تعمّقت في الجزء الأكاديمي من التخصص، انطلقت خطواتي الفعلية بعد التخرج، كنت أحرص على النزول بشكل مستمر إلى عدد كبير من الأماكن: مراكز تأهيل، مدارس، حضانات، ومؤسسات متخصصة. كنت أتحدث مع الأمهات، والأخصائيين، وأصحاب تلك المؤسسات، في محاولة لفهم المشكلات من مصادرها المباشرة.
كنت أبحث باستمرار عن إجابات تدور برأسي مثل : ما هي التحديات الحقيقية التي تواجه كل فئة؟ ما الحلول المقترحة من وجهة نظرهم؟ وما العقبات التي تعيق تقديم الدعم الحقيقي؟ خلال تلك الفترة، كنت أضع تصورًا متكاملًا للمبادرة: كيف ستُنفّذ، ومن ستخدم، وما الموارد المطلوبة، وما الذي يتوافر بالفعل، وما الذي نحتاج إلى توفيره. لقد كانت أربع سنوات من الرصد والتخطيط والدراسة الميدانية، مهدت الطريق لانطلاق مبادرة “فينا خير” بعد التخرج.
بالفعل، هناك مواقف عديدة شكلت نقطة تحوّل بالنسبة لي. من بينها موقف مؤلم شاهدته في أحد الأندية، حيث رفضت مجموعة من الأمهات السماح لأطفالهن باللعب مع طفل من ذوي الإعاقة، فقط لأنه مختلف. كما شاهدت موقفًا آخر في الشارع، حيث كانت أم تسير مع طفلها، ومرّ بجانبهم طفل من متلازمة داون مع والده، فما كان منها إلا أن همست لابنها: “خد بالك، ده ممكن يخوفك!”
- ما أصعب التحديات التي واجهتك في بداية الطريق؟ وكيف تغلبتِ عليها؟
من أبرز التحديات التي واجهتني في البداية كان غياب الدعم الحقيقي من بعض أصحاب المراكز، الذين تعاملوا مع فكرة المبادرة كفرصة دعائية فقط دون رغبة في تقديم دعم فعلي. كما واجهت صعوبة في بناء فريق ملتزم، حيث كان هناك نقص في الكوادر المتاحة أحيانًا.
تغلبت على هذه التحديات من خلال خلق نوع من التبادل القائم على المنفعة المشتركة؛ فعرضت على المراكز أن نقدم لهم دعمًا دعائيًا مقابل مساعدتهم للأطفال الذين نخدمهم. أما بالنسبة للفريق، فكنت أحرص على تحفيز الأعضاء الملتزمين من خلال تنظيم فعاليات تشجيعية تخلق لديهم دافعًا للاستمرار.
- كيف تم تكوين فريق العمل؟ وما المعايير التي تم اعتمادها لاختيار الأعضاء؟
تكوّن الفريق في بدايته من مجموعة من أصدقائي، ثم أطلقنا حملة عبر وسائل التواصل الاجتماعي استقطبنا من خلالها عددًا من المتطوعين المؤهلين، وتمكّنا من تشكيل فريق مميز. وقد اعتمدنا في اختيار الأعضاء على مجموعة من المعايير، مثل أن يكون المنضم له لديه شغف بالعمل مع الأطفال، وبالأخص فئة ذوي الإعاقة. وأن يمتلك خبرة جيدة في التعامل معهم سواء بشكل مباشر أو عن بُعد. وكذلك أن يتحلى بالصبر والطموح والرغبة في التطوير الذاتي.
- ما أبرز الخدمات التي تقدمها مبادرة “فينا خير” حاليًا؟ وهل هناك خدمات جديدة قيد التنفيذ؟
تقدم المبادرة مجموعة من الخدمات المجانية والداعمة، مثل ورش تدريبية وتأهيلية للأخصائيين لإعدادهم لسوق العمل. وجلسات توعية للأمهات لمساعدتهن في التعامل مع أطفالهن وتنمية قدراتهم، وتطلق حملات توعية ميدانية في شوارع المحافظات. وتقدم محتوى توعوي عبر السوشيال ميديا يشمل مقالات وفيديوهات، كما نقدم جلسات علاجية مجانية للأطفال غير القادرين.
ولدينا خطة مستقبلية لخدمات أخرى نستهدف فيها توسيع التوعية بفئة الصم والبكم سواء عبر الإنترنت أو من خلال أنشطة ميدانية. وتطوير تطبيق إلكتروني يخدم الأمهات والأخصائيين من خلال تقديم محتوى توعوي وأدوات تفاعلية. مع تنظيم مؤتمرات تستهدف طلاب الجامعات والمهتمين بذوي الإعاقة، بالإضافة إلى التوسع في تغطية عدد أكبر من المحافظات وزيادة حجم الفريق. وأيضا تنفيذ فعاليات مدرسية تستهدف طلاب المرحلتين الإعدادية والثانوية لتعزيز وعيهم بقضايا ذوي الهمم.
- كيف يتم التعاون مع الجمعيات والمراكز والحضانات؟
يتم التعاون من خلال خطوات منظمة تشمل تقييم شامل للمكان من حيث مدى ملاءمته لاستضافة الفعاليات أو تقديم الجلسات وكذلك التواصل المباشر مع الجهة المقصودة لعرض فكرة التعاون. وفي حال قبول الفكرة، يتم الاتفاق على شكل التعاون، سواء من خلال تقديم محاضرات، جلسات، أو توفير خصومات.
- ما الذي تقدمه المبادرة حاليًا للأخصائيين؟
تقدم مبادرة فينا خير. ورش وكورسات تدريبية مجانية في مختلف التخصصات لدعمهم مهنيًا ومعرفيًا. وتوفر فرص عمل في المراكز والحضانات للمتميزين منهم، بما يتيح لهم تطبيق ما تعلموه في بيئات عملية حقيقية.
- كم عدد المستفيدين من المبادرة حتى الآن؟ وهل هناك قصة إنسانية لا تزال عالقة في ذاكرتك؟
استفاد من مبادرة “فينا خير” حتى الآن أكثر من 3000 شخص من أطفال وأسر وأخصائيين. ومن بين التجارب المؤثرة التي لا أنساها، كانت قصة طفلة من ذوي الهمم كانت تخضع لجلسات متابعة مع أخصائية ضمن فريقنا في إحدى المحافظات. للأسف، فقدنا هذه الطفلة بسبب ظروف صحية، وكان لخبر وفاتها وقع شديد علينا جميعًا في الفريق، فقد كنا نتابع حالتها بكل حب واهتمام، وكانت جزءًا من رحلتنا الإنسانية. تركت أثرًا لا يُنسى في قلوبنا، وعمّ الحزن أرجاء المبادرة وقتها.
- ما هو حلمك المستقبلي للمبادرة؟ وأين ترين “فينا خير” بعد خمس سنوات؟
أحلم بأن تتحول المبادرة إلى مصدر أمان وثقة لكل أم لديها طفل من ذوي الإعاقة أو يعاني من مشكلات سلوكية أو لغوية، أن تكون المرجع الذي تلجأ إليه الأسر دون تردد، وأن تُساهم في دمج هؤلاء الأطفال بشكل طبيعي في المجتمع، دون وصم أو تنمر، بل ليكونوا أفرادًا فاعلين وبصمتهم واضحة ومؤثرة.
أرى “فينا خير” بعد خمس سنوات وقد أصبحت كيانًا مؤسسيًا متكاملًا، له مقر رئيسي يضم أقسامًا متعددة، ومقرات فرعية في مختلف المحافظات، حيث تجد الأمهات بيئة مطمئنة، وأطفالهن يمرحون ويتعلمون ويكبرون في مناخ صحي وداعم.
- ما نوع الدعم الذي تحتاجينه حاليًا من الدولة أو القطاع الخاص أو الإعلام؟
نحن بحاجة إلى شراكات حقيقية مع جهات رسمية وخاصة تمتلك الإمكانيات لفتح أبواب الدعم، سواء من خلال توفير أماكن مجهزة للأطفال، أو تسهيل سبل التعاون بين المبادرة والمراكز المتخصصة.
كما نحتاج إلى دعم إعلامي يساعد في إيصال صوتنا إلى أكبر عدد من الأسر، وخاصة أولئك الذين لديهم أطفال بحاجة إلى تدخل مبكر، فكل يوم فارق في حياة طفل من ذوي الهمم قد يُحدث تغييرًا كبيرًا في مستقبله.
- ما رسالتك للأمهات اللاتي لديهن أبناء من ذوي الإعاقة؟
أقول لكل أم: لا تُخبئي طفلك وكأن إصابته وصمة، ولا تهمليه تحت ضغط نظرة المجتمع. لا تخافي، بل ابدئي رحلة التدخل والدعم مبكرًا، فكلما بدأتِ أسرع، كان التحسن أيسر وأكبر. ادعمي طفلك، شجعيه على ممارسة الرياضة أو أي هواية يحبها، ولا تسمحي للكلام السلبي أو النظرات المؤذية أن توقفك. نحن هنا معك، في ظهرك دائمًا.