أستراليا – جسور– فاطمة الزهراء بدوي
أجبرت لجنة المنافسة وحماية المستهلك الأسترالية (ACCC) منصة “Mable” الرقمية على تعديل بنود اعتُبرت غير عادلة في عقودها مع مستخدمي خدمات الإعاقة، هذه الخطوة تأتي ضمن تحقيق أوسع أجرته اللجنة، يهدف إلى ضبط ممارسات مقدمي خدمات الرعاية في إطار نظام الدعم الوطني للإعاقة (NDIS).
كانت منصة Mable تتيح للمستفيدين اختيار مقدمي الرعاية، لكنها فرضت شروطًا تعاقدية تنقل كامل المسؤولية القانونية إلى المستخدمين حال حدوث أي نزاع، دون تحميل المنصة نفسها أي التزام مباشر. ACCC وصفت هذه البنود بأنها تقيّد حقوق الأفراد، خاصة من هم في أوضاع هشة أو لا يملكون المعرفة القانونية الكافية لفهم تعقيدات العقود.
تراجع Mable عن هذه الشروط جاء بعد مراجعة دقيقة من الهيئة، التي أعلنت أن ما حدث يمثل انتهاكًا واضحًا لقوانين حماية المستهلك، خصوصًا تلك التي تمنع استخدام “شروط خفية” أو “بنود تعسفية” في العقود مع الفئات الضعيفة. وقد رحب المدافعون عن حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة بهذا القرار، معتبرينه سابقة ضرورية في سوق تفتقر في كثير من الأحيان إلى الشفافية والمساءلة.
التحقيق لم يتوقف عند Mable. ACCC أكدت أن مراجعتها لا تزال مستمرة لقطاع الإعاقة والرعاية المنزلية لكبار السن، وأن منصات أخرى تقدم خدمات مشابهة تحت الرقابة. وقد شددت على أن أي مقدم خدمة يستغل ثغرات قانونية أو يفرض شروطًا غير منصفة سيكون عرضة للإجراءات القانونية.
تُعد هذه الخطوة ضرورية في بيئة رقمية باتت تستقطب مزيدًا من مقدمي خدمات الرعاية دون وجود آلية رقابة فعالة على طريقة كتابة العقود أو تفسير الشروط. فغالبًا ما تُدرج البنود بلغات قانونية مبهمة، تضمن للمزود حماية كاملة بينما تضع المستخدم في موقع المسؤولية الكاملة.
يرى محللون أن القضية سلطت الضوء على فجوة بين الخطاب الرسمي حول “الاختيار والسيطرة” في نظام NDIS، وبين الواقع الذي يفرض قيودًا على هذه المبادئ. فبينما يفترض أن يكون للمستخدم حرية الاختيار، فإن العقود المعقدة التي يصعب تعديلها فعليًا تجعل هذه الحرية شكلية فقط.
بيان ACCC ركز أيضًا على أهمية مساءلة الشركات الخاصة التي تستفيد من عقود الدعم الحكومي دون التزام واضح بالمعايير الأخلاقية. وأشار إلى أن كثيرًا من المنصات تعكس نموذجًا تجاريًا لا يتماشى مع جوهر فكرة الدعم المجتمعي للفئات الأضعف، وخصوصًا الأشخاص ذوي الإعاقة الذين يحتاجون إلى حماية مضاعفة.
وفي حين أن استجابة Mable جاءت سريعة نسبيًا بعد تدخل الهيئة، إلا أن هذه السرعة تعكس أيضًا حجم الضغط الناتج عن التدقيق العام والتغطية الإعلامية. وقد أكد الخبراء أن مثل هذه الحالات تظهر الحاجة إلى آليات رقابية دائمة، وليس فقط تدخلات ظرفية بعد الشكاوى أو الفضائح.
وقد شددت الهيئة على أن العقود المتعلقة بخدمات الإعاقة يجب ألا تحتوي على “مصائد خفية” أو شروط يكتشف المستخدم لاحقًا أنها تقيّد حريته أو تنقل إليه أعباء قانونية غير مبررة. بل يجب أن تُكتب بوضوح، وتُراجع دوريًا، وأن يتوفر دعم قانوني أو لغوي لمن يحتاجه من المستفيدين.
من جانبهم، دعا نشطاء في مجال حقوق الإعاقة إلى إنشاء جهة مستقلة لمراجعة عقود مقدمي خدمات NDIS قبل اعتمادها، لتكون مطابقة للمعايير الأخلاقية والقانونية. كما طالبوا ببرامج توعوية تساعد المستفيدين وأسرهم على فهم حقوقهم، وتوجيههم لكيفية التبليغ عن المخالفات دون الخوف من فقدان الخدمة.
ورغم أن القانون قد تدخل في هذه الحالة لحماية المستفيدين، فإن استمرار العدالة يتطلب يقظة دائمة من جميع الأطراف: مقدمي الخدمات، والمستفيدين، والجهات الرقابية، والمجتمع المدني. ما حدث مع Mable ليس نهاية المطاف، ولكنه بداية لمرحلة قد تشهد إعادة ضبط شاملة لعلاقة مزودي الخدمات بذوي الإعاقة، على أساس من الشفافية، والعدالة، والمسؤولية المشتركة.