العصا البيضاء.. أداة استقلال للمكفوفين وصناعة ضخمة تتصدرها الصين

العصا البيضاء.. أداة استقلال للمكفوفين وصناعة ضخمة تتصدرها الصين

المحرر: ماهر أبو رماد
العصا البيضاء

يحتفل العالم في الخامس عشر من أكتوبر من كل عام باليوم العالمي للعصا البيضاء، الذي يمثل رمزًا قويًا للاستقلال والكرامة لذوي الإعاقة البصرية.

وعلى الرغم من البُعد الإنساني والرمزي لهذا اليوم، يرافقه بُعد اقتصادي مهم، يتطور وينمو تدريجيًا، يمكن وصف بـ بيزنس الأجهزة التعويضية، وتشكل العصا البيضاء واحدة من أبرز وأهم هذه الأجهزة، إذ تلعب دورًا حيويًا في تمكين المكفوفين وتحسين جودة حياتهم، مما يجعلها عنصرًا رئيسيًا في هذا القطاع المتنامي.

العصا البيضاء ليست مجرد رمزٍ تتناوله الصحف ووسائل الإعلام يومًا في العام، بل صناعة متكاملة، تحمل في طيّاتها فرصًا استثمارية، وفرص عمل، وتحديات تصنيع واستيراد وتصدير، وسوقًا تكنولوجيًا يتطور بشكل سريع.

العصا البيضاء أداة استقلال واقتصاد بملايين الدولارات

في السنوات الأخيرة، نما سوق الأدوات المساعدة لذوي الإعاقة البصرية نموًّا ملحوظًا، لا سيّما في فئة «عصي التنقل» أو ما يُعرف بالعصا البيضاء، التقليدية منها والذكية. فمع زيادة عدد المكفوفين أو ذوي الإعاقات البصرية في العالم، وتنامي الوعي والدفاع عن حقوقهم، بدأت الحكومات والمنظمات غير الحكومية وشركات القطاع الخاص توجّه ميزانيات للتأمين الصحي والمساعدات التقنية واستيراد هذه الأدوات أو حتى تصنيعها محليًّا، الأمر الذي يخلق فرصًا ربحية حقيقية، ويوفر فرص عمل لمئات الآلاف حول العالم.

الصين تنتج والغرب يستهلك

تقدّر قيمة سوق الأجهزة المساعدة والتعويضية عالميًا بنحو 32 إلى 33 مليار دولار أمريكي في عام 2024، وفقًا لتقارير دولية متخصصة، مع توقعات بوصوله إلى أكثر من 53 مليار دولار بحلول عام 2033، مدفوعًا بزيادة عدد كبار السن وذوي الإعاقة، وتنامي الوعي المجتمعي، وتوسّع برامج الدعم الحكومي والصحي.

وتحتل الصين موقع الصدارة في إنتاج وتصدير الأجهزة التعويضية التقليدية منخفضة التكلفة، مثل الكراسي المتحركة والعصي البيضاء، حيث صدّرت في عام 2024 وحده أكثر من 11 مليون كرسي متحرّك، معظمها للأسواق الأمريكية والأوروبية. كما تلعب دول مثل الهند، فيتنام، ماليزيا، وإندونيسيا دورًا بارزًا في توريد المكونات الصناعية أو أعمال التجميع.

طفل كفيف يستخدم عصا بيضاء لأول مرة

وفيما يتعلق بصناعة العصا البيضاء،  تتواجد في الصين سلاسل إنتاج كبيرة تُركّز على تصنيع العصا البيضاء التقليدية منخفضة التكلفة، وتُصدّرها بكميات ضخمة إلى الأسواق الناشئة وأوروبا وأمريكا.

وبعد العملاق الصيني تأتي الهند، إذ تُعد من المنتجين الرئيسيين المحليين لتغطية الطلبات الحكومية وبرامج المساعدة الاجتماعية، ويمكن وصف الصين بأنها الدولة الوحيدة التي تحقق معادلة الجودة المقبولة للمنتج والسعر المنخفض.

العصا الذكية منتج غربي مرتفع التكلفة

أما في فئة «العصا الذكية» فتبرز شركات ناشئة ومبتكرة في الولايات المتحدة وكندا والمملكة المتحدة وتركيا وكوريا الجنوبية، تدمج فيها حساسات لتحديد العوائق فوق مستوى سطح الأرض، وحدات اهتزاز أو صوت، وتكامل مع تطبيقات الملاحة GPS أو beacons داخلية للتنقل في الفضاءات المغلقة.

هذه التطورات ترفع من تكلفة الإنتاج، وكذلك من هامش الربح، إلا أنها تحتاج استثمارًا أوليًّا كبيرًا في البحث والتطوير، فضلًا عن تحديات في الصيانة وضمان الجودة.

للأسواق المستوردة للعصا البيضاء أهمية موازية، فهناك طلب كبير في الدول التي لا تملك بنية تصنيعية قوية أو التي تستورد بسبب رخص اليد العاملة أو نقص الخبرة التقنية. فمثلًا، أوروبا الغربية وأمريكا وكندا تستورد كميات من العصي التقليدية والذكية، للاستجابة لطلبات المستفيدين، والدول التي لا تستطيع أن تُنتج محليًّا كل المكونات التقنية.

عصا بيضاء 2025
عصا بيضاء بتقنية حديثة.. صناعة صينية

الخبراء المتابعون يؤكدون أن الصين هي التي تُصدّر الإنتاج بالقيمة والكمية التقليدية، بينما الدول الغربية مثل ألمانيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة من بين كبار المستوردين أو المستخدمين النهائيين، لا سيما للعصي الذكية أو ذات الميزات التقنية العالية.

من ستوكهولم إلى طوكيو… مدن تراعي حاملي العصا البيضاء

من جانب آخر، تحوّلت عدد من العواصم إلى نماذج يُحتذى بها في تجهيز بيئة حضرية مهيّأة لذوي الإعاقة البصرية، ففي ستوكهولم وفيينا وكوبنهاغن وأوسلو وسنغافورة وطوكيو ولندن وباريس وملبورن وتورونتو، توجد سياسات واضحة تشمل الأرصفة المنخفضة الحواف والممرّات الخاصة بالمشاة، والإشارات الصوتية لعبور المشاة، والأرضيات اللمسية «tactile paving» لتوجيه المكفوفين، وتوفير خرائط صوتية أو رقمية في المرافق العامة والنقل العام، مع إعلانات صوتية داخل الحافلات والقطارات.

تقنيًّا، العصا البيضاء تحتاج إلى معايير صارمة في التصنيع لتضمن السلامة والفعالية، فالمواد يجب أن تكون متينة، وخفيفة عند الحاجة، والطول مناسبًا للمستخدم، والطرف القلّاق أو المُزلِق مقاومًا للتآكل وقابلًا للاستبدال. أما في العصا الذكية فهناك الحاجة أيضًا إلى حسّاسات دقيقة، ودوائر كهربائية مضادة للتداخل ومطابقة لمعايير السلامة، ومطوّرات برمجيات موثوق بها، وبطاريات تُراعي الاستدامة والسلامة.

منظمات المعيار الدولي مثل «International Organization for Standardization — ISO» تُقدّم مواصفات للأدوات المساعدة، بينما جمعيات مثل «RESNA» تختص بمعايير تكنولوجية مخصّصة للعصي الذكية. أما الهيئات الوطنية، فهي المسؤولة عن اعتماد المعايير وتفتيش الجودة.

من الناحية الاقتصادية، فصناعة العصا البيضاء تحمل إمكانات نمو على أكثر من درجة، فحتى العصي التقليدية مربحة بدرجة مختلفة، إذا وُجد نموذج توزيع قوي وشبكة توريد محلية أو مستورد موثوق به. أما العصا الذكية، فهامش الربح أكبر، لكن المخاطر أعلى بحكم الاستثمارات التقنية والبرمجية وصعوبة الصيانة والخدمة بعد البيع.

صناعة العصا البيضاء.. استثمار في الإنسان أولًا

المستخدمون للعصا البيضاء يصبحون أكثر استقلالية في التنقل، وقدرة على الوصول إلى الجامعات والمدارس وأماكن العمل والخدمات الصحية بأنفسهم، وتقليل الاعتماد على المرافق الشخصي.

من واقع هذه الحقائق، يتضح أن البيزنس في صناعة العصا البيضاء ليس مجرّد فكرة خيرية، بل هو قطاع يرتبط بالسياسات الحكومية وبرامج التمويل، وبالتعاون مع المنظمات المدنية، وجزء كبير منه يعتمد على الابتكار والتكنولوجيا.

عصا بيضاء بتقنية حديثة في أحد المعارض التكنولوجية للأجهزة التعويضية

في اليوم العالمي للعصا البيضاء، يمكن وصفها بأنها أكثر من مجرد أداة تعويضية، بل هي مكوّن صناعي تقني واجتماعي، يمتد أثره إلى الحقوق الأساسية، والتمكين الاجتماعي، والتنقل، والاقتصاد، والتكنولوجيا.

تحدياته واضحة، ولكن الفرص متاحة لمن يسعى للاستثمار الذكي، والالتزام بمعايير الجودة، وبناء شبكة توزيع قوية، ومراعاة الابتكار التقني والاجتماعي.

المقالة السابقة
«جسور» توثق الاجتماع التنسيقي للأولمبياد الخاص بمناقشة مشروع الجواز الصحي لذوي الإعاقة
المقالة التالية
بورسلي: «الكشف الصحي للأولمبياد الخاص» أكبر مبادرة عالمية لذوي الإعاقة الذهنية

وسوم

أمثال الحويلة (455) إعلان عمان برلين (537) اتفاقية الإعاقة (688) الإعاقة (153) الاستدامة (1186) التحالف الدولي للإعاقة (1158) التشريعات الوطنية (930) التعاون العربي (600) التعليم (91) التعليم الدامج (69) التمكين الاقتصادي (99) التنمية الاجتماعية (1177) التنمية المستدامة. (96) التوظيف (72) التوظيف الدامج (905) الدامج (63) الدمج الاجتماعي (712) الدمج المجتمعي (174) الذكاء الاصطناعي (96) العدالة الاجتماعية (81) العقد العربي الثاني لذوي الإعاقة (586) الكويت (101) المجتمع المدني (1155) الولايات المتحدة (68) تكافؤ الفرص (1149) تمكين (97) حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة (594) حقوق الإنسان (86) حقوق ذوي الإعاقة (101) دليل الكويت للإعاقة 2025 (438) ذوو الإعاقة (171) ذوو الاحتياجات الخاصة. (1106) ذوي الإعاقة (581) ذوي الهمم (62) ريادة الأعمال (465) سياسات الدمج (1133) شركاء لتوظيفهم (456) قمة الدوحة 2025 (723) كود البناء (523) لغة الإشارة (78) مؤتمر الأمم المتحدة (413) مجتمع شامل (1144) مدرب لغة الإشارة (713) مصر (118) منظمة الصحة العالمية (737)