اليوم العالمي لحقوق الإنسان.. لا كرامة كاملة بدون دمج ذوي الإعاقة

اليوم العالمي لحقوق الإنسان.. لا كرامة كاملة بدون دمج ذوي الإعاقة

المحرر: محمود الغول - مصر
اليوم العالمي لحقوق الإنسان

يحتفل العالم اليوم، العاشر من ديسمبر، بمناسبة مفصلية في تاريخ البشرية وهي اليوم العالمي لحقوق الإنسان. في هذا اليوم من عام 1948، اعتمدت الأمم المتحدة الإعلان العالمي الذي أسس لمبادئ الحرية والعدالة والمساواة. لكن، لا يكتمل هذا الاحتفال دون تسليط الضوء على الفئة الأكثر تهميشا تاريخيا.

في هذه السطور نناقش العلاقة العضوية بين حقوق الإنسان وحقوق ذوي الإعاقة. حيث تحول هذا اليوم إلى منصة سنوية للمطالبة بإنهاء التمييز والعزل ضد ذوي الهمم. لذلك، نرفع شعارا واضحا اليوم، حقوق ذوي الإعاقة هي حقوق إنسان.

اليوم العالمي لحقوق الإنسان

نصت المادة الأولى من الإعلان العالمي على أن «جميع الناس يولدون أحرارا ومتساوين في الكرامة والحقوق». رغم وضوح هذا النص، إلا أن التطبيق الفعلي استثنى ذوي الإعاقة لفترات طويلة من الزمن. في الواقع، تم التعامل معهم لقرون على أنهم «حالات طبية» تحتاج للإصلاح أو «حالات خيرية» تستحق الشفقة.

مع ذلك، شكلت مبادئ اليوم العالمي لحقوق الإنسان الأساس القانوني والأخلاقي الذي استندت عليه حركات التغيير لاحقا. بسبب ذلك، بدأ النشطاء يجادلون بأن الإعاقة ليست مبررا لنقص الحقوق أو الكرامة. هنا، بدأت الشرارة الأولى لثورة المفاهيم الحقوقية حول العالم.

شهد العالم في العقود الأخيرة تحولا جذريا في فلسفة التعامل مع الإعاقة بفضل الزخم الحقوقي. حسب ما تشير إليه أدبيات الأمم المتحدة، انتقلنا من النموذج الطبي الذي يرى المشكلة في الفرد، إلى النموذج الاجتماعي. هذا النموذج الأخير يرى أن المشكلة تكمن في الحواجز التي يضعها المجتمع.

إحدى الفعاليات التي خصصت لذوي الإعاقات في المملكة العربية السعودية.
إحدى الفعاليات التي خصصت لذوي الإعاقات في المملكة العربية السعودية. أرشيفية

بمعنى آخر، الشخص الذي يستخدم الكرسي المتحرك ليس عاجزا، بل المجتمع هو العاجز عن توفير منحدر له. لذلك، أصبح اليوم العالمي لحقوق الإنسان فرصة لتكريس هذا المفهوم الحديث والمتطور. إذ لم تعد المطالب تقتصر على العلاج، بل امتدت لتشمل الحق في الوصول والمشاركة.

وتوج نضال الحركات الحقوقية باعتماد اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة (CRPD) في عام 2006. في الحقيقة، تعتبر هذه الاتفاقية الترجمة العملية لمبادئ اليوم العالمي لحقوق الإنسان في سياق الإعاقة. حيث نقلت الالتزامات من مجرد وعود أخلاقية إلى نصوص قانونية دولية ملزمة للدول. حسب «البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة».

علاوة على ذلك، أكدت الاتفاقية على مبادئ عدم التمييز، وتكافؤ الفرص، وإمكانية الوصول الشامل. نتيجة لذلك، أصبح للدول مرجعية واضحة تحاسب عليها أمام المجتمع الدولي سنويا. لذا، يعتبر دمج هذه الاتفاقية في القوانين الوطنية هو المعيار الحقيقي لاحترام حقوق الإنسان.

الحق في الحياة المستقلة وكسر الوصاية

يركز اليوم العالمي لحقوق الإنسان بشكل كبير على مبدأ الحرية الشخصية والاستقلالية في اتخاذ القرار. تاريخيا، عانى ذوو الإعاقة من فرض الوصاية عليهم وسلبهم حق تقرير مصيرهم بأنفسهم. وفقا لتقارير منظمة هيومن رايتس ووتش، لا يزال الملايين محرومين من اتخاذ قراراتهم المالية أو الطبية.

لذلك، تدعو المنظمات الحقوقية اليوم إلى استبدال الوصاية بنظام اتخاذ القرار المدعوم. هذا يعني تقديم الدعم للشخص ليتخذ قراره بنفسه بدلا من أن يقرر الوصي نيابة عنه. بناء على ذلك، تعد الاستقلالية جزءا لا يتجزأ من الكرامة الإنسانية التي نحتفل بها.

ولا يمكن الحديث عن حقوق الإنسان في ظل وجود حواجز مادية أو رقمية تمنع الوصول. فالحق في التنقل، والحق في المعلومات، والحق في استخدام المرافق العامة، كلها تندرج تحت بند الإتاحة. في اليوم العالمي لحقوق الإنسان، نؤكد أن المبنى الذي لا يوجد به مصعد هو مبنى ينتهك حقوق الإنسان.

بالإضافة إلى ذلك، تشمل الإتاحة توفير المعلومات بصيغ ميسرة مثل لغة الإشارة وطريقة برايل. حسب توصيات الاتحاد الدولي للاتصالات، فإن الفجوة الرقمية تعد شكلا جديدا من أشكال التمييز. لذا، يجب ضمان أن تكون التكنولوجيا أداة تمكين لا أداة عزل.

التعليم الدامج والحق في العمل

يعد الحق في التعليم الجيد واحدا من أركان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الأساسية. مع ذلك، لا يزال الأطفال ذوو الإعاقة يواجهون معدلات تسرب وحرمان عالية جدا. وفقا لبيانات اليونسكو، يحرم ملايين الأطفال من التعليم بسبب عدم جاهزية المدارس.

لذلك، يطالب الحقوقيون بالانتقال من مدارس العزل أو التربية الخاصة إلى التعليم الدامج الشامل. حيث يتعلم جميع الأطفال سويا في نفس الفصول مع توفير الدعم اللازم. هذا النهج لا يفيد الطفل المعاق فحسب، بل يعلم المجتمع بأسره قيم التسامح وقبول الآخر.

ولا تكتمل منظومة الحقوق دون الحديث عن الحق في العمل اللائق والأجر العادل. في الواقع، يعاني ذوو الإعاقة من معدلات بطالة هي الأعلى عالميا بسبب التحيز والتمييز. حسب إحصائيات منظمة العمل الدولية، غالبا ما يتم حصرهم في وظائف هامشية أو منخفضة الأجر. حسب موقع أخبار الأمم المتحدة على الإنترنت.

في اليوم العالمي لحقوق الإنسان، نجدد الدعوة للقطاع الخاص لتبني سياسات توظيف شاملة وعادلة. إذ أن العمل ليس مجرد مصدر للدخل، بل هو مصدر للشعور بالقيمة والانتماء للمجتمع. بناء على ذلك، يعد التمكين الاقتصادي بوابة رئيسية للتمتع بباقي الحقوق المدنية.

يعاني ذوو الإعاقة من معدلات بطالة هي الأعلى عالميا بسبب التحيز والتمييز
يعاني ذوو الإعاقة من معدلات بطالة هي الأعلى عالميا بسبب التحيز والتمييز

الفئات والضحايا المنسيون

يواجه قطاع كبير من ذوي الإعاقة تمييزا مضاعفا، ونخص بالذكر النساء والفتيات. حيث يتعرضن للتمييز بسبب النوع الاجتماعي من جهة، وبسبب الإعاقة من جهة أخرى. وفقا لهيئة الأمم المتحدة للمرأة، فإن النساء ذوات الإعاقة هن الأكثر عرضة للعنف والاستغلال.

لذلك، يجب أن تراعي برامج حقوق الإنسان خصوصية هذه الفئة واحتياجاتها الفريدة. من الضروري توفير حماية قانونية مشددة وضمان وصولهن لخدمات الصحة الإنجابية والعدالة. في المحصلة، لا يمكن تحقيق المساواة دون معالجة هذا التقاطع في أشكال التمييز.

يأتي اليوم العالمي لحقوق الإنسان هذا العام وسط صراعات دامية في مناطق عديدة حول العالم. في هذه السياقات، يدفع ذوو الإعاقة الثمن الأغلى نتيجة صعوبة الهروب أو فقدان الأجهزة المساعدة. حسب تقارير اللجنة الدولية للصليب الأحمر، غالبا ما يتم تجاهلهم في خطط الإخلاء والمساعدات.

طالع: اليوم العالمي لحقوق الإنسان.. جامعة 6 أكتوبر تنظم ندوات عن حقوق ذوي الإعاقة

بسبب ذلك، يطالب المجتمع الدولي بتفعيل القانون الدولي الإنساني لحماية هذه الفئة أثناء الحروب. كما يجب ضمان وصول المساعدات الإنسانية إليهم بشكل ميسر وآمن. إن حماية المستضعفين في أوقات الأزمات هو الاختبار الحقيقي لمصداقية حقوق الإنسان.

تبنت الحركة العالمية لذوي الإعاقة شعارا قويا يلخص مطالبهم وهو: لا شيء عنا بدوننا. هذا الشعار يتناغم تماما مع روح اليوم العالمي لحقوق الإنسان ومبادئه الديمقراطية. إذ يعني ضرورة إشراك ذوي الإعاقة في صياغة أي قرار أو قانون يخص حياتهم.

لذلك، لم يعد مقبولا أن يخطط «الأصحاء» لمستقبل «المعاقين» بمعزل عنهم وعن آرائهم. بل يجب أن يكونوا جالسين على طاولة المفاوضات وصنع القرار كشركاء كاملين. هذه المشاركة هي الضمانة الوحيدة لواقعية وفعالية الحلول المقدمة.

التكنولوجيا في اليوم العالمي لحقوق الإنسان

في عصرنا الحالي، أصبح الوصول إلى الإنترنت والتكنولوجيا حقا من حقوق الإنسان الحديثة. بالنسبة لذوي الإعاقة، تمثل التكنولوجيا جسرا للعبور نحو التعليم والعمل والتواصل الاجتماعي. مع ذلك، لا تزال العديد من المواقع والتطبيقات غير مصممة لتكون قابلة للاستخدام من الجميع.

لذا، يركز النشطاء اليوم على مفهوم الحقوق الرقمية كجزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان. حيث يجب إلزام الشركات التقنية بمعايير التصميم الشامل في جميع منتجاتها. في النهاية، التكنولوجيا هي الأداة التي يمكن أن تحقق المساواة إذا أحيطت بالتشريعات المناسبة. حسب موقع الأمم المتحدة على الإنترنت.

في الختام، يذكرنا اليوم العالمي لحقوق الإنسان بأن الكرامة الإنسانية وحدة واحدة لا تتجزأ. إن المجتمع الذي يهمل حقوق ذوي الإعاقة هو مجتمع منقوص الإنسانية والعدالة. لذلك، علينا جميعا، حكومات وأفرادا، العمل لترجمة شعارات هذا اليوم إلى واقع ملموس. باختصار، حقوق ذوي الإعاقة هي المعيار الأصدق لقياس تحضر الأمم واحترامها للإنسان.

المقالة السابقة
المتحف المصري الكبير يستقبل وفداً من ذوي الإعاقة في جولة ثقافية
المقالة التالية
102 ألف دولار.. تعويض ذوي الاحتياجات الخاصة في مطعم أمريكي بعد الإساءة إليهم