اليوم العالمي للسكري.. قراءة في كتاب «بعيون طبيبة» وطرق التعايش مع المرض

اليوم العالمي لمرض السكري هو مناسبة عالمية لتسليط الضوء على مرض السكري. وهو مرض يتسلل ببطء دون صوت أو إشعار. أو أنه يظهر فجأة دون مقدمات. هذه السطور قراءة تحليلية في كتاب «السكري بعيون طبيبة» للدكتورة سوسن خنكار. بمناسبة اليوم العالمي لمرض السكري الذي يصادف غدا الجمعة، الرابع عشر من نوفمبر. والكتاب يمزج بين تجربة الكاتبة كمريضة وخبرتها كطبيبة.

بين التجربة الشخصية والخبرة الطبية

الكتاب هو جهد كبير للدكتورة السعودية سوسن خنكار. وليس مجرد معلومات طبية، بل هو قصة إنسانة مصابة بداء السكري. وهي في الوقت نفسه ممارسة طبية تعمل بالمجال. وفقا لما ذكره الدكتور سعيد يولداش المشرف على الكتاب، فإن الكتاب لخص داء السكري في نقاط محددة. إنه يقدمها بأسلوب بسيط وسلس يصل إلى القارئ والمهتم بهذا الداء.

وتعتبر منظمة الصحة العالمية السكري من الأمراض التي يمكن أن تؤدي إلى الإعاقة. حيث تساهم المضاعفات المرتبطة به في الإعاقة الجسدية بشكل كبير. وهو مرض مزمن يسبب ضررًا تدريجيًا لأعضاء الجسم إذا لم يتم التحكم فيه. وتساهم مضاعفاته مثل أمراض القلب والعمى وفشل الكلى وتورم الأطراف السفلية في حدوث الإعاقة.

الكتاب مهدى إلى كل فرد من المجتمع أصيب بمرض السكري. وأن رسالة الإهداء تؤكد أن «هناك أمل خلف المعاناة». ومحتوى الكتاب هو عون ونبراس لكل من أصيب به بما يحتويه من نصائح وإرشادات وتعاريف. كما أن الدكتورة خنكار تشارك القارئ تجربتها الناجحة في التعايش مع المرض. وهي تأمل أن يكون الكتاب مرشدا في رحلة فهم المرض وكيفية التعامل معه بوعي.

اليوم العالمي لمرض السكري والجذور المرضية

مرض السكري هو حالة طبية مزمنة تصيب الجسم عندما يعجز عن تنظيم مستويات السكر (الجلوكوز) في الدم بشكل طبيعي. يحدث ذلك نتيجة لخلل في هرمون الأنسولين الذي يفرزه البنكرياس. حسب الكتاب، فإن هرمون الأنسولين هو الهرمون المسؤول عن مساعدة الخلايا على امتصاص الجلوكوز. كما أنه يعمل على تحويل الجلوكوز إلى طاقة.

والخلل قد ينتج عن عدم إفراز الأنسولين بكميات كافية. أو أنه ينتج بسبب مقاومة الخلايا لتأثيره. هذا الخلل يؤدي إلى تراكم الجلوكوز في الدم بدلا من دخوله إلى الخلايا. وفقا للكتاب، فإن البنكرياس غدة صغيرة تقع في أعلى البطن خلف المعدة مباشرة. وواحدة من أهم وظائف البنكرياس هي إفراز هرمون الأنسولين.

فوضى الجسم بدون الأنسولين وتدهور الدهون

عندما يقل إفراز الأنسولين أو يصبح غير كاف، تحدث عدة مشكلات في الجسم. أولا يتراكم الجلوكوز في الدم، مما يعيق استفادة الجسم منه في إنتاج الطاقة. وفقا للكتاب، يشعر المريض بالتعب والإرهاق بسرعة عند القيام بأي مجهود.

طالع: اليوم العالمي للسكري.. العمى وبتر الأطراف أبرز إعاقات المرضى في سن العمل

بالإضافة إلى ذلك، يبدأ الجسم في تحليل الدهون المخزنة. هذا التحليل يزيد من مستويات الدهون الضارة في الدم، مثل الكوليسترول. إن هذا قد يؤدي إلى مشاكل مثل تصلب الشرايين أو الأزمات القلبية. يؤثر نقص الأنسولين أيضا على البروتينات، حيث يحول الجسم الأحماض الأمينية إلى سكريات بدلا من استخدامها في بناء العضلات وإصلاح الأنسجة. إن كل هذا يؤدي إلى ضعف العضلات وفقدان الوزن بشكل مقلق.

أنواع المرض ومستويات التشخيص

مرض السكري يتنوع إلى عدة أنواع، لكل منها طبيعته الخاصة.

النوع الأول:

حالة صحية تبدأ غالبا في الطفولة أو المراهقة. إنه يتميز بظهور مفاجئ لأعراض ملحوظة. وهنا يفقد الجسم قدرته على إنتاج الأنسولين بسبب خلل في البنكرياس. إن الشخص المصاب بالنوع الأول يحتاج إلى الحصول على الأنسولين يوميا كي يستمر في الحياة.

النوع الثاني:

هو الأكثر شيوعا، حيث يشكل حوالي 90% من الحالات. إنه غالبا ما يتطور ببطء دون أعراض واضحة في السنوات الأولى. يحدث هذا النوع عندما يصبح جسمك غير قادر على استخدام الأنسولين بفعالية أو لا ينتج كمية كافية منه.

سكري الحمل:

أحد أنواع السكري التي قد تصاب به النساء أثناء فترة الحمل. إنه ينتج عن تغيرات هرمونية تحدث في المشيمة. إن النساء اللواتي أصبن به يظل لديهن فرصة أكبر للإصابة بالنوع الثاني من السكري في المستقبل.

لتشخيص مرض السكري، تتعدى نسبة السكر في الدم للصائم 126 ملغم/ديسيلتر. وتصل لأكثر من 200 ملغم/ديسيلتر إذا كان فاطرا. أما عند الأشخاص الذين لديهم قابلية للإصابة بمرض السكري، تكون مستويات السكر بين 100 و 125 ملغم/ديسيلتر.

اليوم العالمي لمرض السكري فرصة للفحص المبكر

التشخيص المبكر لماذا هو بالغ الأهمية؟ ببساطة لأنه يتيح لك التحكم بالمرض قبل أن يتفاقم. وفقا للكتاب، فإن بدء العلاج مبكرا لا يعني فقط الحفاظ على مستويات السكر في الدم ضمن الحدود الطبيعية، بل يشمل أيضا تحسين نوعية الحياة بشكل عام. وللأسف، غالبا ما يكتشف السكري بعد مرور حوالي خمس سنوات على الإصابة. وهنا قد تكون المضاعفات بدأت بالتأثير فعليا.

حسب توصيات جمعية السكري الأمريكية، فإن هناك ضرورة لفحص مستويات السكر في الدم بشكل دوري بدءا من عمر 45 عاما. إن التشخيص المبكر لحالة ما قبل السكري يعد فرصة ثمينة للتحكم في المرض قبل أن يتفاقم. وفقا للكتاب، فإن الأفراد الذين يتم تشخيصهم في مرحلة ما قبل السكري يمكن أن يستفيدوا بشكل كبير من التدخل المبكر. حيث وجدت دراسة حديثة أن تعديل نمط الحياة يمكن أن يقلل من خطر تطور المرض بنسبة تصل إلى 58%.

من الأنسولين الذكي إلى زراعة الخلايا

يشهد علاج مرض السكري تطورا كبيرا. أحد أبرز المستجدات هو علاج «لانتيدرا» (Lantidra). إن «لانتيدرا» هو علاج يعتمد على نقل خلايا البنكرياس من متبرعين متوفين لتعويض الخلايا المنتجة للأنسولين التي يدمرها الجهاز المناعي لدى مرضى النوع الأول. إن هذا العلاج يهدف إلى تقليل الأعباء الناتجة عن تقلبات مستويات السكر.

بالإضافة إلى ذلك، شهد العلاج ابتكار الأنسولين «الذكي». وهذا النوع من الأنسولين يستجيب تلقائيا لمستويات السكر في الدم. وفقا للباحثين، يتميز هذا النوع بأنه بطيء الإطلاق ويستمر تأثيره لمدة تصل إلى أسبوع. هذا الابتكار يقلل الحاجة إلى الحقن اليومية. كما تعمل طرق علاجية أخرى على تحويل الخلايا الجذعية إلى خلايا بنكرياسية قادرة على إنتاج الأنسولين.

اليوم العالمي لمرض السكري هو تذكير بأن مرض السكري هو تحد يومي. وهذا الكتاب مرشد لك في رحلتك لفهم مرض السكري. فهو يوضح كيفية التعامل معه بوعي. وفقا لرسالة الدكتورة خنكار، فإن حياة المصاب بمرض مزمن لا يجب أن تكون معقدة أو معتمة. بل إنها يمكن أن تكون مليئة بالأمل. ورسالتها لكل مريض هي أن الإرادة الصادقة يمكن أن تحول المرض إلى رفيق لا يعكر صفو الحياة. إن التوعية والتشخيص المبكر هما مفاتيح الحياة الصحية.