انفجار هاليفاكس هو الحدث الذي غير وجه مدينة هاليفاكس الكندية للأبد في 6 ديسمبر 1917. لكن هذه الكارثة لم تكن مجرد دمار للمباني، بل كانت مأساة إنسانية فريدة. حيث تسبب الحادث في فقدان مئات الأشخاص لأبصارهم في لحظة واحدة.
في هذا التقرير نستكشف معا العلاقة الوثيقة بين هذا الانفجار وتاريخ الإعاقة البصرية. إذ يصنف تاريخيا كأكبر حادثة «إعماء جماعي» تم تسجيلها. لذلك، نعود إلى الوراء لنفهم كيف تحول الألم إلى أمل للمكفوفين.
انفجار هاليفاكس والفضول القاتل
بدأت القصة بتصادم سفينتين في الميناء، مما أثار فضول السكان المحليين بشكل كبير. نتيجة لذلك، هرع الآلاف من الرجال والنساء والأطفال إلى النوافذ لمشاهدة الحريق. لم يدرك هؤلاء أنهم على موعد مع انفجار هاليفاكس المدمر بعد دقائق. حسب موقع المتحف البحري الأطلسي على الإنترنت.
كان المشهد في الميناء يجذب الأنظار، حيث تصاعدت ألسنة اللهب والدخان في السماء. بسبب ذلك، تسمر الناس خلف زجاج نوافذهم يراقبون الكارثة الوشيكة دون حماية. هذا القرار العفوي كان السبب الرئيسي في حجم الإصابات البصرية الهائل لاحقا.
عندما وقع الانفجار، تحطمت آلاف النوافذ في وقت متزامن بسبب موجة الضغط الهائلة. علاوة على ذلك، تحول الزجاج المتطاير إلى شظايا فتاكة استهدفت وجوه المتفرجين مباشرة. هذا التوقيت المأساوي جعل انفجار هاليفاكس سببا رئيسيا في إصابات العيون.

اخترقت الشظايا الزجاجية عيون المئات ممن كانوا يقفون خلف النوافذ في تلك اللحظة. في الواقع، كانت قوة الانفجار كفيلة بتحويل الزجاج إلى ما يشبه الرصاص. لذلك، فقد الكثيرون بصرهم فورا، بينما عانى آخرون من إصابات بليغة.
إعماء جماعي في انفجار هاليفاكس
تشير السجلات التاريخية إلى أن مئات الأشخاص فقدوا بصرهم بشكل كلي أو جزئي. بناء على ذلك، صنف المؤرخون هذا الحدث بأنه أكبر حادثة «إعماء جماعي» في تاريخ كندا. حيث خلف انفجار هاليفاكس جيلا كاملا من المكفوفين في مدينة واحدة. وفق المعهد الوطني الكندي للمكفوفين.
طالع: بسبب مرض السكري.. مليون شخص أصيبوا بالعمى و«بتر ساق» كل نصف دقيقة
من الناحية الطبية، كانت الإصابات معقدة للغاية وتشمل تمزقات في القرنية والشبكية. كما أن الأعداد الهائلة للمصابين شكلت ضغطا غير مسبوق على الطواقم الطبية المحدودة. إجمالا، كانت الكارثة البصرية تفوق قدرة المدينة على الاستيعاب في ذلك الوقت.
واجه الأطباء والمستشفيات تدفقا هائلا من الإصابات التي تركزت في العيون والوجه. في الواقع، اضطر الجراحون إلى إجراء عمليات استئصال للعيون لإنقاذ حياة المصابين من العدوى. تسبب انفجار هاليفاكس في أزمة طبية غير مسبوقة في طب العيون. وفق المتحف البحري للمحيط الأطلسي.
عمل أطباء العيون على مدار الساعة لمحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه من أبصار الضحايا. مع ذلك، كانت الموارد شحيحة والتقنيات الطبية في عام 1917 محدودة مقارنة باليوم. لذا، انتهى المطاف بالمئات إلى العيش في ظلام دائم بعد الحادث.
بعد الصدمة واقع اجتماعي جديد
وجد الضحايا أنفسهم فجأة في عالم من الظلام دون سابق إنذار أو تأهيل. من ناحية أخرى، لم تكن البنية التحتية الاجتماعية مجهزة للتعامل مع هذا العدد من المكفوفين. لذا، كشف انفجار هاليفاكس عن فجوة هائلة في خدمات الرعاية الاجتماعية.
عانى المصابون من صعوبة في التأقلم مع حياتهم الجديدة وفقدان وظائفهم واستقلاليتهم. كما واجهوا تحديات نفسية كبيرة نتيجة الصدمة المزدوجة للانفجار وفقدان البصر. هذا الوضع استدعى تحركا مجتمعيا عاجلا لإنقاذ هؤلاء الضحايا من العزلة.
استجابة لهذه المأساة الإنسانية، تضافرت الجهود لتأسيس المعهد الوطني الكندي للمكفوفين (CNIB) في 1918. كان الهدف الأساسي هو تقديم التأهيل والدعم لضحايا انفجار هاليفاكس وأسرهم. بذلك، تحولت الكارثة إلى نقطة انطلاق لتنظيم العمل الخيري والحقوقي.
يعتبر تأسيس هذا المعهد النتيجة المباشرة والرئيسية للكارثة التي حلت بالمدينة. حيث أدرك المجتمع ضرورة وجود مؤسسة متخصصة لرعاية وتأهيل فاقدي البصر. لذلك، أصبح انفجار هاليفاكس المحفز الأول لإنشاء منظومة دعم شاملة للمكفوفين.

من العجز إلى الاستقلالية
بدأ المعهد في تقديم خدمات تدريبية مبتكرة لمساعدة المصابين على استعادة استقلاليتهم. شمل ذلك تعليم طريقة برايل والتدريب المهني المناسب لحالتهم الجديدة. هكذا، ساهم انفجار هاليفاكس بشكل غير مباشر في تطوير مفاهيم التأهيل الحديث.
ركزت البرامج على تمكين المكفوفين من العودة إلى العمل والمشاركة في الحياة اليومية. كما تم توفير أدوات مساعدة وتدريب على التنقل والحركة بأمان. نتيجة لذلك، تحول الضحايا من أشخاص عاجزين إلى أعضاء فاعلين في المجتمع.
لم يقتصر تأثير هذه الجهود على كندا فقط، بل امتد ليشمل العالم. حيث أصبح نموذج الرعاية الذي نشأ بعد انفجار هاليفاكس معيارا عالميا يحتذى به. بالإضافة إلى ذلك، تغيرت النظرة المجتمعية تجاه قدرات الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية.
استفادت دول عديدة من التجربة الكندية في تأسيس جمعيات ومعاهد مماثلة للمكفوفين. كما تطورت تقنيات طب العيون والوقاية من الإصابات بناء على الدروس المستفادة. لذا، يظل انفجار هاليفاكس علامة فارقة في تاريخ خدمات الإعاقة عالميا.
الدروس المستفادة من الحادث
أدى الحادث أيضا إلى تطوير معايير السلامة في البناء واستخدام الزجاج الآمن. كما تم تحسين خطط الطوارئ الطبية للتعامل مع الإصابات الجماعية المماثلة. يبقى انفجار هاليفاكس درسا قاسيا في أهمية الوقاية والاستعداد للكوارث.
تغيرت المفاهيم حول الإخلاء والتحذير من المخاطر لتجنب تكرار سيناريو المتفرجين خلف النوافذ. حيث أصبح الوعي العام بمخاطر الزجاج المتطاير جزءا من ثقافة السلامة. هذا الوعي ساهم في حماية عيون الملايين في الحوادث اللاحقة.
في الختام، تظل ذكرى هذا اليوم مؤلمة ولكنها محورية في تاريخ الإعاقة. لقد دفع الضحايا ثمن تطور خدمات رعاية المكفوفين من أبصارهم وحياتهم. باختصار، انفجار هاليفاكس هو تذكير دائم بأن الأمل يمكن أن يولد من رحم المعاناة.


.png)
















































