أثارت الصور التي تداولتها وسائل إعلام عالمية للطفل الفلسطيني محمد زكريا المطوق، بجسده الهزيل، وعظامه البارزة التي تكاد تخترق جلده، غضبا عالميًا، حاول البعض تبرير وضعه الصحي المتردي، وإرجاعه إلى ظروف صحية سابقة أو إعاقة، لكن نشطاء وباحثين قالوا إن محاولة ربط الوفيات الناجمة عن الجوع في غزة بالإعاقات أو الأمراض الموجودة مسبقا هو أمر مضلل.
هذا ما كتبته أليتا موريارتي، طالبة دكتوراه في الفرص الاقتصادية لذوي التوحد بجامعة ملبورن، ونشر في موقع The Conversation وهو منصة أخبار وتحليل غير ربحية، تنشر فيها مقالات مكتوبة بواسطة خبراء أكاديميين وباحثين في مختلف المجالات، ويقوم الصحفيون المحترفون بتعديلها ونشرها لعامة الناس، وتعتبر مصدرا موثوقا للأخبار التحليلية المستندة إلى الأبحاث.

وتساءلت موريارتي، ما نوع الاستجابة الإنسانية العملية اللازمة الآن لذوي الإعاقة في غزة؟
تعمل الصراعات والأزمات الإنسانية على تكثيف وتفاقم نقاط الضعف التي يواجهها ذوو الإعاقة، وتظهر الأدلة أن ذوي الإعاقة في النزاعات المسلحة والأزمات الإنسانية أن لديهم معدلات وفاة أعلى، هم أقل عرضة للإجلاء بأمان، هم أقل عرضة للحصول على المساعدة الإنسانية، غالبا ما يتم فصلهم عن داعميهم ومقدمي الرعاية، وغالبا ما يتركون في أماكنهم.
كما تواجه النساء والأطفال ذوو الإعاقة مخاطر متزايدة من العنف والإهمال والاستغلال، فضلا عن وصمة العار والتمييز.
مأساة داخل مأساة
القانون الدولي واضح بشأن هذه المسألة، تتطلب اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، التي صادقت عليها إسرائيل عام 2012، اتخاذ «جميع التدابير اللازمة لضمان حماية وسلامة الأشخاص ذوي الإعاقة في حالات الخطر، بما في ذلك حالات النزاع المسلح»، كما أقر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بالتأثير غير المتناسب للنزاع على ذوي الإعاقة،
هناك أدلة هائلة تشير إلى أن إسرائيل لم تلتزم بهذه الواجبات، وقد أعرب المقررون الخاصون للأمم المتحدة عن انزعاجهم مما وصفوه ب «الظروف المروعة للفلسطينيين ذوي الإعاقة المحاصرين في غزة».
تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن حوالي 92% من المنازل في غزة قد دمرت أو تضررت، ونزح أكثر من 90% من سكان غزة، بعضهم أكثر من عشر مرات.
حدث إعاقة جماعي
حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على غزة تعد حدثا «للإعاقة الجماعية»، فقد وجد تقييم مشترك بين البنك الدولي والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي في فبراير أن انتشار الإعاقات قد تضاعف منذ أكتوبر 2023، وتشير أحدث البيانات إلى أن 151,442 شخصا قد أصيبوا في هذا الصراع. وفي عام 2024 قدرت منظمة الصحة العالمية أن حوالي 25% من جميع المصابين يحتاجون على الأرجح إلى خدمات إعادة تأهيل عاجلة ومستمرة.
وتفيد منظمة «هيومانيتي آند إنكلوجن يو كيه» بأن غزة لديها الآن أعلى معدل لبتر الأطراف بين الأطفال لكل فرد في العالم، ووفقا لليونيسف، فقد أكثر من عشرة أطفال يوميا أحد ساقيهم أو كليهما.
الزيادة الكبيرة في انتشار الإعاقة تعني أن الطلب على خدمات إعادة التأهيل وإمكانية الوصول قد تجاوز المعروض بسرعة، وتفيد اليونيسف بأن أكثر من مليون طفل يحتاجون أيضا إلى دعم نفسي، ونظرا للأدلة التاريخية التي تشير إلى أن القوات الإسرائيلية اتبعت سياسات إعاقة متعمدة، فإن هذا الأمر يتطلب تحقيقا عاجلا.
ما المطلوب الآن؟
الوقف الفوري والدائم لإطلاق النار هو أمر ضروري، كما ينبغي لإسرائيل التخلي عن نظامها الحالي المعيب لإيصال المساعدات عبر «مؤسسة غزة الإنسانية»، يجب إعادة إيصال المساعدات المبدئية، لضمان وصول آمن لذوي الإعاقة.
وللوفاء بالتزاماتها بموجب القانون الدولي، يجب على إسرائيل أن تبقي الممرات الإغاثية مفتوحة للمرور الآمن للعاملين في المجال الإنساني والطبي والبضائع، بما في ذلك الأجهزة المساعدة والبطاريات اللازمة لتشغيلها.
يجب أن يتوقف التهجير القسري، ويجب أن تتوافق عمليات الإخلاء مع القانون الدولي، وأن تكون سهلة الوصول، وأن تحافظ على ترابط الأسر ومقدمي الرعاية والأجهزة المساعدة، إن حماية ذوي الإعاقة تعني ضمان أن تكون الملاجئ والمرافق الصحية مجهزة ويمكن الوصول إليها، وأن تتم إزالة الركام والذخائر لضمان مرور آمن وميسر.
يجب أن تكون الاستجابة الإنسانية العادلة شاملة، مع التركيز على أصوات ذوي الإعاقة خاصة النساء والأطفال، الذين يواجهون مخاطر متزايدة.
دون اتخاذ إجراءات فورية لإنهاء العنف، واستعادة إمكانية الوصول، وضمان دمج ذوي الإعاقة، سيفقد الفئات الأكثر ضعفا المزيد من كرامتهم وسلامتهم وحياتهم.