القاهرة – جسور – شيماء اليوسف
من قلب صعيد مصر، وتحديدًا من محافظة أسيوط، خرجت فتاة كسرت الصورة النمطية المرتبطة بذوي الاحتياجات الخاصة، وفرضت حضورها على بساط لعبة الكاراتيه.
تألقت الشابة هبة رأفت قطب، لتصبح أول فتاة من ذوي الإعاقة في محافظتها تمارس رياضة الكاراتيه، وتفوز فيها ببطولات على مستوى الجمهورية، عدة مرات، حتى تمكنت من الحصول على دورة تدريبية في لعبة الكراتيه داخل أكاديمية ناصر العسكرية.
داخل قرية بسيطة على ضفاف نهر النيل، حيث التقاليد الصارمة، ولدت هبة، بإعاقة حركية خفيفة، لكنها لم تولد بروح منكسرة، بل بروح مقاتلة منذ لحظتها الأولى.

تقول في حديثها لمجلة جسور: “أنا من البداية لم أشعر بأن لديّ إعاقة، كنت بشوف نفسي زي أي حد ويرجع الفضل لأهلي، والدتي ووالدي وأخواتي، عمرهم ما حسسوني إني مختلفة، وعلّموني إن الثقة بالنفس هي السلاح الحقيقي”.
لكن الطريق لم يكن مفروشًا بالورود. فمنذ طفولتها واجهت التنمر… همسات في الشارع، نظرات شفقة في المدرسة، وتعليقات جارحة من بعض الجيران أو الأقارب. إلا أن تلك المحطات لم تُحبطها، بل زادت من إصرارها. “التنمر خلاني أشتغل على نفسي أكتر. أي حد بيتعرض للتنمر، بس الفرق في رد فعلك… أنا قررت أخلّي كلماتهم وقود يحرّكني”.
عند دخولها صالة التدريب، احبت لعبة الكاراتيه، واختارتها عن قناعة شخصية، فلم يكن لديها خوف أو قلق، وكانت على يقين أن الخوف يجلب الفشل، ومن دون دعم مؤسسي أو رعاية خاصة، شقّت هبة طريقها وحيدة. خاصة وأن العناية بالألعاب القتالية لذوي الإعاقة منعدمة.
لعبت هبة، وتدربت كأي لاعبة أخرى. لم يضعها مدربوها في “قالب خاص” كما يحدث غالبًا وتقول: “من أول يوم قالولي: إنتي لاعبة، مش استثناء، وده ساعدني أصدق نفسي أكتر”.
وبالفعل، بدأت الأحلام تتحق والنتائج تبرز الجهود، إذ تمكنت من تحقيق البطولة في اللعبة نحو 11 مرة كبطلة لمحافظة أسيوط، وحصلت لعدد ثلاث مرات على بطولة الجمهورية، وما زال الطموح أكبر. تحكي هبة عن لحظة التتويج الأولى: “دي لحظة مش بنساها، حسّيت إن التعب كان له معنى، وإن الطريق اللي اخترته كان صح، خصوصًا لما عرفت إن مفيش حد قبلي من ذوي الإعاقة لعب كاراتيه في الصعيد”.
لكن الحلم لا يتوقف عند هذا الحد. هبة ترى نفسها يومًا ما ترتدي زي المنتخب الوطني، وتنافس دوليًا وتمثل وطنها في المحافل الدولية الخاصة باللعبة وتراه حلم كبير قريب لقلبها وقريب أيضا من التحقيق.

لا تكتفي هبة، بأن تحلم لنفسها، بل تحلم أيضًا لغيرها. تتخيل فريقًا كاملًا من ذوي الإعاقة يُنافس في بطولات الكاراتيه، وترى نفسها حكمًا معتمدًا ذات يوم. وتوجه رسالة لكل متحد للإعاقة بأن يجرب ويبدأ الرياضة لأنها مسار حقيقي لتغيير الحياة.
ورغم تعدد إنجازاتها، إلا أن الغصة في صوتها تظهر حين تتحدث عن واقع الرياضة في الصعيد: “مفيش عدالة كافية، خصوصًا للبنات من ذوي الإعاقة… مفيش دعم، مفيش اهتمام. علشان كده بقول دايمًا: ابدأ بنفسك، متستناش حد”.
تتمنى هبة، أن تصل إلى سلم المجد العالمي بتمثيل مصر، دولياً، وأن تكون قدوة وملهمة لكل من يظن أن الفشل حظه إن لم يجد من يمسك بيده ويشجعه على خوض المعارك من أجل النجاح، تريد أن يصل صوتها لكل فتاة تبحث عن الفرصة قائلة: “عاوزة صوتي لكل بنت اتحكم عليها من قبل ما تبدأ بالفشل. مفيش مستحيل، ومفيش حد أقوى من اللي يصدق نفسه”.