بعد توقيف صانع المحتوى عمر فرج.. هل تمنح الإعاقة حصانة قانونية؟

بعد توقيف صانع المحتوى عمر فرج.. هل تمنح الإعاقة حصانة قانونية؟

المحرر: محمود الغول - مصر
صانع المحتوى عمر فرج

فتح بدء التحقيقات مع صانع المحتوى المصري عمر فرج، وهو شاب من ذوي الإعاقة، جدلا أوسع حول السؤال الحساس: هل تمنح الإعاقة صاحبها مساحة تسامح أمام القانون؟ أم أن المبدأ هو المساواة الكاملة في المسؤولية والعقاب مع ضمان ترتيبات تيسيرية فقط أثناء سير العدالة؟

القصة لم تبدأ من فراغ، فبحسب تقارير صحفية محلية، باشرت نيابة الأزبكية التحقيق مع عمر فرج وشقيقه على خلفية اتهامات مرتبطة ببث محتوى خادش وتحقيق أرباح عبر المنصات الرقمية، وهي تهم غالبا ما تكيف بموجب قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات (قانون 175 لسنة 2018) فيما يخص الاعتداء على «المبادئ والقيم الأسرية» عبر الشبكات الإلكترونية.

ويجب الإشارة إلى أنه لا تعد الإعاقة في ذاتها سببا للإعفاء من المسؤولية الجنائية في القانون المصري؛ الفارق القانوني الحاسم يكون بين الإعاقة الجسدية وبين الاضطراب النفسي أو العقلي الذي قد يسقط المسؤولية أو يخففها وفق ضوابط محددة.

أفادت منصات إخبارية بأن النيابة استدعت عمر فرج على خلفية بلاغات تتعلق بمحتوى مرئي على وسائل التواصل واحتمال مخالفته نصوصا في قانون الجرائم الإلكترونية، وجرى الاستماع إلى أقواله وأقوال شقيقه، ويرجح أن محور التحقيق يدور حول خدش الحياء و الاعتداء على القيم الأسرية مع تحقيق منفعة مادية من المحتوى.

قدم فرج نفسه للجمهور بوصفه شابا يعاني هشاشة العظام (العظم الزجاجي)، وظهرت قصته في وسائل إعلام منذ سنوات، هذا المعطى صحي/جسدي لا ذهني، وله أثره الإجرائي لا الإعفائي كما سنوضح.

وزارة الداخلية المصرية تنشر خبر القبض على عمر فرج وشقيقه
لقطة من فيديو نشرته وزارة الداخلية المصرية بعد القبض على عمر فرج وشقيقه

 ما هي النصوص المحتمل تطبيقها على قضايا المحتوى الرقمي؟

قانون 175 لسنة 2018 (مكافحة جرائم تقنية المعلومات) يتضمن مادة شهيرة الاستخدام في قضايا المحتوى هي المادة 25 التي تعاقب على الاعتداء على «المبادئ والقيم الأسرية للمجتمع المصري» عبر شبكة المعلومات. هذه المادة غالبا ما تستدعى حين ترى المقاطع خادشة أو مخلة بالقيم.

التكييف الدقيق لكل واقعة يظل شأنا للنيابة والقضاء وفق الأدلة والفيديوهات وسياق النشر مثلا المنصة، التكرار، الربح، الاستهداف.

 أين تنتهي المراعاة وتبدأ المسؤولية؟

قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة (10 لسنة 2018) يقر بالمساواة وعدم التمييز، ويلزم الدولة بتهيئة الإتاحة والترتيبات التيسيرية المعقولة في كل الخدمات العامة، ومن ذلك منظومة العدالة (التحقيق، المحاكمة، التنفيذ)، معنى ذلك توفير وسائل مساعدة مناسبة لطبيعة الإعاقة (مترجم إشارة، بيئة مهيأة، مهل زمنية مناسبة…) لكن دون إعفاء تلقائي من المسؤولية.

أما المادة 62 من قانون العقوبات فتنص على أنه لا يسأل جنائيا من كان وقت ارتكاب الجريمة مصابا باضطراب نفسي أو عقلي ألغى إدراكه أو اختياره، أما من يعاني اضطرابا لم يلغ الإدراك والاختيار، فتخفف مسؤوليته. هذه المادة تتصل بالحالة الذهنية لا الجسدية، أي أن الإعاقة الجسدية، كحال هشاشة العظام، لا تسقط المسؤولية الجنائية بذاتها.

وحتى مع توافر المسؤولية، يبقى للقاضي مساحة تقدير في العقوبة ومراعاة ظروف الشخص الصحية والاجتماعية عند تحديد مقدار العقوبة أو تدابيرها، مع التزامه بنصوص التجريم الخاصة بكل واقعة.

ماذا عن التنمر والتمييز وذوي الإعاقة؟

المشرع المصري شدد العقوبة على التنمر ضد الأشخاص ذوي الإعاقة بإضافة مادة (50 مكرر) إلى قانون 10/2018 بموجب القانون 156 لسنة 2021، على نحو يرفع الحد الأدنى للحبس والغرامة، مع تشديد إضافي إذا تضافرت ظروف مشددة مثل تعدد الجناة، هذا الاتجاه يعكس حماية مزدوجة: تجريم أفعال المساس بالكرامة، وفي الوقت ذاته عدم منح حصانة لمن يرتكب جرائم بدعوى أنه من ذوي الإعاقة.

إجرائيا تلتزم جهات إنفاذ القانون بتهيئة الوصول والاتصال بما يتناسب مع طبيعة الإعاقة مثل وجود مرافق أو مترجم وأدوات تواصل للفئات السمعية أو الذهنية، بيئة غير معيقة حركيا… وهو ما تؤكده نصوص الإتاحة والترتيبات التيسيرية المعقولة في قانون 10/2018، ويتسق مع اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة التي انضمت إليها مصر.

موضوعيا تبقى عناصر الجريمة القصد والركن المعنوي، الفعل المادي، العلاقة السببية هي ذاتها، ولا ينظر إلى الإعاقة الجسدية كسبب لنفي القصد الجنائي، إلا إذا اقترنت بحالة ذهنية تفقد الإدراك أو الاختيار وقت الفعل وفق المادة 62.

المسؤولية المدنية.. من يدفع ثمن الضرر؟

في نطاق التعويض المدني، الأصل أن من يسبب ضررا يلتزم بالتعويض متى ثبت الخطأ والضرر وعلاقة السببية، سواء كان من ذوي الإعاقة أم لا.

إذا ثبت انعدام التمييز أو عدم القدرة على الإدراك (حالة ذهنية جسيمة) فقد تسند المسؤولية إلى متولي الرقابة وفق أحكام القانون المدني، بحسب السن والحالة وإثبات واجب الرقابة ومداه، ويقدر ذلك قضائيا تبعا لملابسات كل ملف.

لا يوجد إعفاء عام للأشخاص ذوي الإعاقة من المسؤولية الجنائية أو المدنية في مصر
لا يوجد إعفاء عام للأشخاص ذوي الإعاقة من المسؤولية الجنائية أو المدنية في مصر

قراءة في حالة عمر فرج

فحص المحتوى ومضاهاته بنصوص قانون 175/2018، وخاصة المادة 25 المتعلقة بالقيم الأسرية عبر الشبكات، وتحديد وجود اعتياد أو عائد مادي من النشر.

تقييم القصدوهل كان هناك قصد توجيه محتوى خادش/مخل أم أنه جاء في سياق فني ساخر؟

وكذلك التحقق الطبي طالما أن الإعاقة جسدية (هشاشة العظام)، لا أثر لها على الأهلية الجنائية بذاتها، أما وجود شبهة اضطراب ذهني يؤثر على الإدراك وهو غير معلن فهذا باب مختلف يخضع للفحص الطبي النفسي والتقارير الفنية وفق المادة 62.

ضمان التيسيرات وتوفير ما يلزم من ترتيبات أثناء التحقيق وسير الدعوى مثل النقل الآمن، أوقات مناسبة، مساعدة حركية، التزاما بقانون 10/2018 واتفاقية حقوق ذوي الإعاقة.

لا يوجد إعفاء عام للأشخاص ذوي الإعاقة من المسؤولية الجنائية أو المدنية في مصر، الإعاقة الذهنية التي تنفي الإدراك أو الاختيار وقت الفعل هي وحدها التي تسقط أو تخفف المسؤولية وفق المادة 62 عقوبات وذلك بإثبات فني قاطع، كما أن الإعاقة الجسدية (مثل هشاشة العظام) تراعى إجرائيا ولا تسقط الركن المعنوي أو المادي للجريمة.

وهناك تشدد تشريعي لحماية ذوي الإعاقة من التنمر والتمييز (قانون 156/2021 مضيفا مادة 50 مكرر لقانون 10/2018)، وفي قضايا المحتوى الرقمي، تبقى المادة 25 من قانون 175/2018 إحدى بوابات التجريم الأكثر استخداما، مع ترك التكييف النهائي لسلطة التحقيق والقضاء.

المقالة السابقة
حادث لشخص من ذوي الإعاقة بالمترو يشعل الجدل بمصر.. والشركة تكشف التفاصيل
المقالة التالية
لذوي الإعاقة.. شراكة استراتيجية تدعم تعليم القرآن الكريم بمنهجيات مبتكرة بالسعودية

وسوم

أصحاب الهمم (45) أمثال الحويلة (392) إعلان عمان برلين (395) اتفاقية الإعاقة (539) الإعاقة (100) الاستدامة (901) التحالف الدولي للإعاقة (877) التشريعات الوطنية (697) التعاون العربي (418) التعليم (54) التعليم الدامج (52) التمكين الاقتصادي (64) التنمية الاجتماعية (899) التنمية المستدامة. (59) التوظيف (45) التوظيف الدامج (701) الدمج الاجتماعي (615) الدمج المجتمعي (131) الذكاء الاصطناعي (68) العدالة الاجتماعية (56) العقد العربي الثاني لذوي الإعاقة (423) الكويت (66) المجتمع المدني (888) الولايات المتحدة (50) تكافؤ الفرص (887) تمكين (62) حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة (504) حقوق الإنسان (61) حقوق ذوي الإعاقة (75) دليل الكويت للإعاقة 2025 (369) ذوو الإعاقة (123) ذوو الاحتياجات الخاصة. (860) ذوي الإعاقة (429) ذوي الهمم (45) ريادة الأعمال (382) سياسات الدمج (873) شركاء لتوظيفهم (377) قمة الدوحة 2025 (521) كود البناء (371) لغة الإشارة (46) مؤتمر الأمم المتحدة (331) مجتمع شامل (880) مدرب لغة الإشارة (580) مصر (39) منظمة الصحة العالمية (599)