بمحتوى بصري واقعي.. الشارقة توظف التزييف العميق لتمكين الصم

بمحتوى بصري واقعي.. الشارقة توظف التزييف العميق لتمكين الصم

المحرر: محمود الغول - الإمارات
تسخير تقنية التزييف العميق لخدمة الصم

تتزايد المخاوف العالمية من مخاطر الذكاء الاصطناعي، خاصة تقنيات التزييف العميق التي ارتبطت بجرائم الاحتيال والتشهير وصناعة الأخبار الزائفة، لكن إمارة الشارقة اختارت، مؤخرا، أن تعيد صياغة المشهد.

حيث نجحت الشارقة في تحويل هذه التقنية المثيرة للجدل من مصدر تهديد إلى أداة إنسانية مبتكرة، تهدف إلى خدمة مجتمع الصم وضعاف السمع، لتبرهن أن التكنولوجيا يمكن أن تكون قوة إيجابية إذا ما وجهت في الاتجاه الصحيح.

المبادرة جاءت عبر فريق بحثي من الجامعة الأمريكية في الشارقة، حيث عمل الباحثون على تطوير مترجم رقمي بلغة الإشارة، يعتمد على تقنيات التزييف العميق، لإنتاج محتوى بصري واقعي، يحاكي حركات اليد وتعابير الوجه وحركة الجسد.

هذا الإنجاز لم يكن مجرد خطوة أكاديمية بل مشروع إنساني متكامل يجمع بين المعرفة العلمية الحديثة والتطبيق العملي في خدمة فئة مجتمعية، تحتاج إلى وسائل مبتكرة للاندماج بشكل أوسع في الحياة العامة والتعليم وسوق العمل.

السر في تميز التجربة أن المشروع لم يصمم داخل جدران الجامعة فقط، بل تشابكت فيه خيوط تعاون واسعة مع شركاء محليين ودوليين، فمن الخارج شاركت جامعات عالمية مرموقة مثل موناش الأسترالية وإلينوي أوربانا-شامبين الأمريكية بخبراتها البحثية، بينما من الداخل تولت مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية، المؤسسة العريقة في دعم وتمكين ذوي الإعاقة منذ عام 1979، ضمان أن الحل يخاطب احتياجات الصم على أرض الواقع.

أما مدرسة الأمل للصم فقد شكلت البيئة التطبيقية المثالية لتجريب النماذج وتقييم مدى دقتها في الترجمة البصرية.

جولة داخل أحد متاحف الشارقة يقودها مرشدون من الصم
جولة داخل أحد متاحف الشارقة يقودها مرشدون من الصم

لغة الإشارة بطبيعتها معقدة

من المعلوم أن لغة الإشارة بطبيعتها معقدة فهي لا تقتصر على حركة اليدين بل تشمل أيضا تعبيرات الوجه وحركة الرأس والجسد، ما جعل مهمة الفريق البحثي شديدة الصعوبة، ومع ذلك تمكنوا من تحقيق نسبة دقة وصلت إلى 90%، وهي نسبة عالمية عالية تعكس إمكانات المشروع، وإن كان الطريق ما زال مفتوحا للوصول إلى مستوى الكمال الذي يضمن الاعتماد الكلي على التقنية في مواقف الحياة الحساسة، مثل التعليم أو التفاعل في المؤسسات الرسمية.

هذا المشروع لا ينفصل عن البيئة التشريعية والتنظيمية التي أرستها الإمارات مبكرا لضبط مسار الذكاء الاصطناعي، ففي عام 2021 أطلق البرنامج الوطني للذكاء الاصطناعي دليل التزييف العميق للتوعية بمخاطره، كما نظمت دائرة الشارقة الرقمية ورشا لتعريف المجتمع بكيفية التمييز بين المحتوى الحقيقي والمزيف.

وفي الإطار نفسه التزمت الجامعة الأمريكية في الشارقة بسياسات صارمة لحماية الخصوصية، فكل استخدام للبيانات يخضع لموافقة مسبقة وصريحة من الأفراد، مع تركيز واضح على الشفافية وبناء الثقة، حسب ما أعلنت في موقعها الإلكتروني على الإنترنت.

التجارب الدولية المشابهة

عند مقارنة مبادرة الشارقة بالتجارب الدولية المشابهة في أوروبا وأمريكا، مثل المنصات الرقمية المخصصة للترجمة بلغة الإشارة، يتضح أن التحديات متشابهة مثل صعوبة التعامل مع تعدد لغات الإشارة حول العالم، والحاجة إلى دقة تقنية شبه مثالية، إضافة إلى كسب ثقة المجتمع المستفيد الذي ما زال يتحفظ تجاه الاعتماد على المحتوى المولد بالذكاء الاصطناعي.

غير أن ما يميز تجربة الشارقة هو هذا المزج بين الريادة الأكاديمية والانغماس المجتمعي، ما يجعلها مرشحة لتكون نموذجا عالميا في كيفية تحويل التزييف العميق من تهديد إلى وسيلة لتمكين الإنسان.

مثل هذه المبادرات ليست مجرد ابتكار تقني، بل إعلان واضح أن التنمية الحقيقية تبدأ من الإنسان وتنتهي بخدمته فبينما ينشغل العالم بالتحذير من مخاطر الذكاء الاصطناعي، تثبت أن بالإمكان إعادة توجيه هذه الأدوات المثيرة للجدل إلى مشاريع إنسانية قادرة على إحداث فارق حقيقي في حياة الناس.

المقالة السابقة
الحويلة: دعم ذوي الإعاقة أولوية في التعاون الاجتماعي الخليجي
المقالة التالية
ندوة  لدعم الصحة النفسية لـ«ذوي الإعاقة» في بيئات العمل بالولايات المتحدة

وسوم

أصحاب الهمم (45) أمثال الحويلة (390) إعلان عمان برلين (393) اتفاقية الإعاقة (536) الإعاقة (98) الاستدامة (857) التحالف الدولي للإعاقة (833) التشريعات الوطنية (652) التعاون العربي (414) التعليم (51) التعليم الدامج (45) التمكين الاقتصادي (62) التنمية الاجتماعية (856) التنمية المستدامة. (58) التوظيف (44) التوظيف الدامج (699) الدمج الاجتماعي (612) الدمج المجتمعي (127) الذكاء الاصطناعي (65) العدالة الاجتماعية (56) العقد العربي الثاني لذوي الإعاقة (416) الكويت (65) المجتمع المدني (845) الولايات المتحدة (50) تكافؤ الفرص (844) تمكين (61) حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة (502) حقوق الإنسان (60) حقوق ذوي الإعاقة (74) دليل الكويت للإعاقة 2025 (367) ذوو الإعاقة (116) ذوو الاحتياجات الخاصة. (817) ذوي الإعاقة (390) ذوي الهمم (44) ريادة الأعمال (381) سياسات الدمج (830) شركاء لتوظيفهم (375) قمة الدوحة 2025 (478) كود البناء (370) لغة الإشارة (46) مؤتمر الأمم المتحدة (329) مجتمع شامل (837) مدرب لغة الإشارة (578) مصر (38) منظمة الصحة العالمية (598)