بدأ في الثمانينات.. قصة أول برنامج تليفزيوني عربي لتعليم لغة الإشارة

بدأ في الثمانينات.. قصة أول برنامج تليفزيوني عربي لتعليم لغة الإشارة

المحرر: سماح ممدوح حسن- مصر

في زمن لم تكن فيه فضائيات ولا إنترنت ولا حتى هواتف محمولة فى ثمانينيات القرن الماضي، ووسط غياب شبه تام للاهتمام الإعلامي بفئة الصم وضعاف السمع، خرج إلى النور برنامج غير مسبوق في فكرته ورسائله على التليفزيون المصري، وحمل اسم “تواصل” ليصبح أول برنامج على مستوى العالم والعالم العربي يُخصص بالكامل لتعليم لغة الإشارة ويخاطب هذه الفئة بلغتها الخاصة.

وحول هذا البرنامج يتحدث مخرجه لأول مرة لـ”جسور” عن ظروف ظهور البرنامج وسبب توقفه.

بدأت الحكاية عام 1987، حين كان المخرج المصري محمد فوزي حجازي، طالبًا في الجامعة، في ذلك الوقت كانت القناة الثالثة المصرية تخدم الأقاليم وتقدم برامج ذات طابع خدمي، ومن رحم هذه البيئة جاءت الفكرة.

تتر برنامج تواصل على التلفزيون المصري

كان لجاره الأصم الأبكم تأثير كبير علي محمد فوزي، فقد تعلم منه لغة الإشارة عن قرب وشعر بمعاناة هذه الفئة وعزلتها، لا سيما في ظل خوف المجتمع منهم وعدم تقبلهم، عندها أدرك أهمية أن يكون هناك محتوى إعلامي يخصهم، يُعلّمهم ويقرّبهم من المجتمع ويُعرّف الآخرين بهم.

في تلك الفترة تقدم المخرج محمد فوزي بفكرته إلى نائب رئيس القناة آنذاك، مدحت زكي، وكان طالبًا بالسنة الثالثة في الجامعة، لكن مدحت زكي، كما وصفه، كان من عباقرة الإعلام المصري وقد تحمس للفكرة رغم كل الظروف، بدأوا في تنفيذ أول نسخة من البرنامج وكان العمل مرهقًا جدًا بسبب محدودية الإمكانيات التقنية، فلم تكن هناك خلفيات رقمية، فكانوا يصممون كل عنصر على حدة، ويقضون ليالٍ كاملة في غرف المونتاج لإنجاز الحلقات.

يقول المخرج محمد فوزي”كنا نبيت في المونتاج لإنهاء الحلقة، لأن التكنولوجيا وقتها لم تكن كما هي اليوم.”

البرنامج الأول حمل اسم “تحدي” ثم تطوّر لاحقًا إلى برنامج “تواصل” الذي بدأ عرضه عام 1995 على قناة النيل التعليمية، وتوالت التجارب حتى وصل اليوم إلى برنامج “قلوب بيضاء” المعروض على قناة القاهرة الفضائية.

لم تكن الفكرة مجرد تعليم لغة إشارة فحسب بل كانت رؤية إعلامية شاملة، حسب كلام فوزي، فقد اعتمد البرنامج على مشاهد تمثيلية درامية لتقديم الكلمات، بحيث يرى المشاهد الموقف ثم يتعلم الإشارة المرتبطة به، ما أضاف عنصر التشويق والتفاعل، واستهدف البرنامج ثلاث فئات: تعليم المشاهد العادي لغة الإشارة، وتعليم الصم الإشارات العربية الموحدة، التي تختلف من بلد لآخر، وتعليم الأطفال قراءة الشفاه والتدريب على النطق باستخدام أسلوب “اللفظ المنغم” وهو أسلوب يعتمد على حركة وصوت خاص لكل حرف.

ويؤكد المخرج محمد فوزي أن تواصل كان أول برنامج يستخدم الرسوم المتحركة والجرافيك لشرح المفاهيم المتعلقة بلغة الإشارة بطريقة بصرية جذابة ومباشرة.

وعن الصعوبات التي واجهها لتنفيذ فكرته، قال إنه لجأ للبحث بنفسه عن ذوي الإعاقة السمعية في الشوارع والنوادي والمقاهي، لعدم وجود وسائل تواصل أو إنترنت، كان يجمع الشكاوى والاحتياجات ويبني عليها الحلقات.

ورغم أنه لم يكن مخرجًا للنسخة الأولى من البرنامج، بل كان صاحب الفكرة والمعد، إلا أنه أشار إلى أن أول مخرج للبرنامج كان محمد السامولي، وهو من ذوي الإعاقة أيضًا، ما أضفى على العمل مزيدًا من الصدق والالتزام.

ومع مرور الوقت، تلقى المخرج تدريبات دولية في ألمانيا وسويسرا، وتخصص في مجال الإعلام الخاص بذوي الإعاقة، حتى أصبح محاضرًا دوليًا باتحاد الإذاعات الأوروبية يُدرّب المذيعين والمعدين والمخرجين على تصميم وتنفيذ برامج تخدم ذوي الإعاقة.

وعن طريقة اختيار المشاركين في المشاهد التمثيلية، أوضح فوزي أنه كان يتم اختيار النماذج بعناية، ومن أبرزها الكابتن سامي لاعب كرة القدم الذي وصفه بأنه صاحب شخصية فذة وموهبة نادرة، جسدت حجم الطاقة الإيجابية غير المستغلة لدى ذوي الإعاقة.

البرنامج حصل على ثلاث جوائز، أبرزها درع التميز وجائزة “تغيير اتجاهات المجتمع” وهي الجائزة الأقرب إلى قلبه، لأنها تعكس الهدف الحقيقي من البرنامج، تغيير نظرة المجتمع لذوي الإعاقة.

وعن ردود الفعل، يروي المخرج محمد فوزي أن الشوارع كانت تتحدث عن البرنامج، وأنه تلقى رسائل كثيرة ومواقف إنسانية لا تُنسى كلها كانت تؤكد أن البرنامج ترك أثرًا واسعًا وأنه وصل بالفعل إلى قلوب الناس.

وعن الواقع الإعلامي حاليًا، يرى أن هناك جهودًا تُبذل لكنها غير كافية، مؤكدًا أن ذوي الإعاقة بحاجة إلى قناة تلفزيونية متخصصة بهم لا تشتتهم البرامج الموزعة بين القنوات وتجمع فيها كل الخدمات والحقوق والمعلومات اللازمة.

وأشار إلى أنه تقدم فعلاً بمقترح إنشاء هذه القناة إلى الجهات المعنية ويأمل أن يُنفذ قريبًا، كما أكد أهمية تعليم لغة الإشارة للأطفال في المدارس منذ الحضانة، ضمن مبادرة “تعالوا نتكلم بإيدينا” لما لها من أثر في تعزيز تقبل الآخر.

أما عن إعادة عرض البرنامج أو إنتاجه بصيغة رقمية حديثة، فأبدى حماسه للفكرة لكنه عبّر عن قلقه من طبيعة الإعلام الرقمي الحالي الذي يفتقر في رأيه إلى الحميمية التي كانت موجودة في السابق، وقال”نعم التطور جيد لكنه يجعلنا نكسب شيئًا ونخسر آخر”.

وشدد على أن قانون ذوي الإعاقة الذي صدر عام 2018 أحدث فرقًا حقيقيًا في حياة هذه الفئة لكنه أشار إلى أن كثيرًا منهم لا يعرفون حقوقهم، ما يعزز أهمية تكثيف البرامج الموجهة لهم.

كما تحدث عن تجربة تسجيل البرنامج كملكية فكرية باسمه في الشهر العقاري المصري، بهدف توثيق كونه أول من قدّم برنامجًا لتعليم لغة الإشارة على مستوى العالم، ويسعى حاليًا لتسجيله رسميًا في موسوعة “جينيس”.

وعن مستقبل التكنولوجيا في خدمة الصم وضعاف السمع، أعرب عن تفاؤله بالتطبيقات التي تحوّل الصوت إلى نص أو الكتابة إلى برايل، مشيرًا إلى أنها ستحدث ثورة حقيقية في حياتهم.

وأكد أن تجربة “تواصل” غيّرته على المستويين الشخصي والمهني، وزرعت فيه شعورًا عميقًا بالمسؤولية، متمنيًا أن يحظى الإعلام الموجه لذوي الإعاقة بدعم أكبر وأن يسلّط الضوء على النماذج الملهمة منهم، ويمنح مترجمي لغة الإشارة مساحات أكبر على الشاشات، خاصة في نشرات الأخبار.

المقالة السابقة
رحلة ترفيهية لذوي الإعاقة بالشارقة لتعزيز الدمج المجتمعي
المقالة التالية
نادي “الثقة”الإماراتي يتوج بأول لقب لذوي الإعاقة السمعية