وجدت الباحثة بجامعة ييل الأمريكية، نيتا ألكسندر نفسها أمام تجربة شخصية وجسدية معقدة، خلال فترة جائحة كوفيد-19، ومع تحوّل الحياة اليومية إلى الشاشات بشكل مكثف، وحر الجميع من الاختلاط بالآخرين في العمل أو وسائل المواصلات.
فبين التعليم عبر «زووم» ومشاهدة الأفلام والمكالمات المرئية مع الأصدقاء، بدأت تدرك بوضوح أن التكنولوجيا التي سهّلت التواصل أثناء العزلة كانت في الوقت ذاته تُثقل الجسد وتؤذيه بطرق غير ملحوظة.
وبحسب موقع جامعة ييل، تعاني ألكسندر من شلل وجهي خلقي يجعلها عرضة لإجهاد العين وجفافها، كما تحمل صفيحة معدنية في عمودها الفقري نتيجة إصابتها السابقة بسرطان إوينج هو نوع نادر من سرطان العظام والأنسجة الرخوة، مما يجعلها أكثر حساسية للألم.
ومع طول ساعات الجلوس أمام الشاشة، تصاعدت آلامها وإرهاقها، في وقتٍ بدت فيه الأدوات الرقمية التي يُفترض أن تيسّر الحياة عاجزة عن دعمها أو تلبية احتياجاتها الجسدية.
من هذه التجربة ولِدَ كتابها الجديد « الاحتكاك بين الإنسان والشاشة: تأثير الإعاقة الرقمية على الجسد Interface Frictions: How Digital Debility Reshapes our Bodies» عن دار نشر جامعة ديوك.
في هذا العمل، تصوغ ألكسندر مفهوم «الإعاقة الرقمية» الذي تصفه بأنه «الطرق البطيئة وغير المعترف بها التي تُلحق بها التكنولوجيا أضرارًا بالأجساد البشرية».
يتناول الكتاب تأثيرات أربعة من أكثر خصائص التصميم شيوعًا في الواجهات الرقمية:
_خاصية التحديث التلقائي التي تجذب المستخدم إلى تدفق لا ينتهي من المحتوى
_وخيار تسريع التشغيل في المنصات
_وميزة التشغيل التلقائي للمعاينات في الصفحات الرئيسة لخدمات البث
_ووضع الإضاءة الليلية التلقائي للشاشات.
توضح ألكسندر أن هذه الخصائص، رغم ما تُقدَّم به من مزايا، إلا أنها تؤدي إلى تعزيز الإدمان الرقمي، وتشجّع على «المشاهدة المتواصلة»، وتفاقم آلام الجسد وإجهاده، كما تفشل في تلبية احتياجات من تسميهم «المستخدمين غير النمطيين»، أي أولئك الذين تختلف قدراتهم البصرية أو السمعية أو العضلية عن المعتاد.
وتقول في أحد مقاطع الكتاب «إن هذه الميزات تُعوّد المستخدمين على تجاهل احتياجاتهم البيولوجية والعاطفية، فالتقنيات التي يُروَّج لها على أنها ممتعة، وديمقراطية ومُحرِّرة، تنشر في الواقع أيديولوجيا زاهدة ترى الجسد البشري على أنه نموذج واحد: ذكر، أبيض، سليم بدنيًا، أو لا تراه على الإطلاق».
من خلال هذا التحليل، تسلط ألكسندر الضوء على المفارقة التي يعيشها الإنسان المعاصر: التكنولوجيا التي تُقدَّم بوصفها وسيلة للراحة والتمكين تتحول تدريجيًا إلى مصدرٍ للإنهاك والتجريد من الإحساس بالجسد.
فبين كل نقرة وتحديث وتشغيل تلقائي، تُعاد صياغة علاقتنا بأجسادنا دون أن ننتبه، مما يجعل التوازن بين الاستخدام الرقمي والصحة الجسدية تحديًا يوميًا حقيقيًا.
يطرح الكتاب أيضًا تساؤلات مهمة حول دور مصممي واجهات المستخدم في خلق بيئات رقمية تراعي تنوع القدرات الجسدية والذهنية، بدلًا من فرض معايير واحدة على الجميع، ويحث على إعادة التفكير في علاقتنا اليومية بالشاشات الرقمية وأثرها العميق على صحتنا الجسدية والنفسية.
كما يشير إلى ضرورة إدماج استراتيجيات صديقة للجسد ضمن تصميم التطبيقات والأدوات الرقمية لضمان تجربة رقمية أكثر شمولية وأمانًا للجميع.


.png)


















































