إيطاليا- جسور- فاطمة الزهراء بدوي
ولدت في مثل هذا اليوم، 29 يونيو، نادينا لاسبينا، Nadina LaSpina ناشطة أمريكية من أصل إيطالي، سطرت تجربتها الحياتية في مذكرات نُشرت بعنوان Such a Pretty Girl: A Story of Struggle, Empowerment, and Disability Pride. ما كتبته أكبر من مجرد سرد لحياة امرأة وُلدت في صقلية وأُصيبت بشلل الأطفال، ولكنه توثيق حيوي لمسار نضالي فردي تحول إلى جزء لا يتجزأ من تاريخ حركة حقوق ذوي الإعاقة في الولايات المتحدة.
نشأت في بيئة أحاطتها بالشفقة، لكنها لم تلبث أن تمردت على الخطابات الاجتماعية التي رأت في إعاقتها مأساة يجب التخلص منها.. مع انتقالها للعيش في أمريكا، بدأت مرحلة جديدة من القمع المقنع داخل جدران المؤسسات الطبية، حيث أمضت سنوات طويلة تحاول استعادة جسدها المسلوب.. غير أن هذا الألم تحول لاحقًا إلى نواة صلبة لنضال طويل ضد ما وصفته بـ”المعايير القمعية للسواء”.
حين خرجت من عزلتها القسرية، لم تكتفِ نادينا بانتقاد النظام الطبي أو التنميطات الاجتماعية، حيث أصبحت واحدة من أبرز الوجوه في مسيرات Disabled In Action وحملات ADAPT، وتعرضت للاعتقال مرات عدة نتيجة نشاطها الاحتجاجي. لم يكن نضالها مجرد صدام مباشر مع مؤسسات الدولة، بل أيضًا مواجهة طويلة مع المجتمع نفسه، لإثبات أن الجسد المختلف لا يعني بالضرورة جسدًا ناقصًا أو عبئًا.
الكتاب الذي أصدرته في يوليو 2019 عن دار New Village Press يعرض مراحل كفاحها الشخصي، ويتتبع أيضًا نمو الحركة الحقوقية لذوي الإعاقة في أميركا.. يرصد تشكل هوية جماعية واعية، ظهور ثقافة فنية خاصة، وتطور خطاب “الفخر بالإعاقة” الذي لم يكن يُعرف من قبل.. بأسلوب روائي حميمي، تنقل نادينا تفاصيل دقيقة عن انتقالها من الطفولة الخائفة إلى النضوج السياسي والاعتزاز بالجسد والتاريخ والاختلاف.
ما يميز المذكرات أنها لا تقع في فخ التقريرية أو التبرير. على العكس، تترك للقارئ فرصة التأمل في آثار التركيز المجتمعي المفرط على “العلاج” و”الشفاء”، وتحذر من اختزال الأشخاص ذوي الإعاقة في صورة الضحية أو البطل.. إنها تدعو لإعادة تعريف الجمال، القوة، والحق في الوجود بمعايير لا تتبع النموذج الغربي المهيمن.
في لقاء أجري معها ضمن فعاليات معهد كتّاب نيويورك، تحدثت عن طفولتها حين كانت تصر على أن يُقال لها إنها “قبيحة” لأن وصف “الجميلة” كان يأتي مصحوبًا بعبارة “يا للخسارة”. هذه الحادثة الصغيرة تختصر جوهر أطروحتها: “لا أريد أن أُحَب رغم إعاقتي، بل أُحَب من خلالها”.
بعيدًا عن السرد الشخصي، تحمل تجربتها أبعادًا نسوية واضحة. تسلط الضوء على صعوبة امتلاك المرأة لجسدها حين تكون “مختلفة”، وتُبرز كيف تسهم النظرة الذكورية الطبية والاجتماعية في تعميق الإقصاء. وهي بهذا تربط بين قضايا الإعاقة والتمييز الجنسي والطبقي، رافضة تصنيفها في خانة واحدة.
نادينا، التي درست الإيطالية ثم أنشأت مقررات دراسية في دراسات الإعاقة بـ”ذا نيو سكول”، تمثل اليوم صوتًا نادرًا لفية عريضة.. عبر كتابها، تنحاز إلى سردية الجماعة، وتمنح الحق في الحكي، الاختلاف، والفخر، لمن لم يُسمح لهم بذلك طويلًا.