القاهرة – جسور- فاطمة الزهراء بدوي
برز اسم سها عبد الناصر، الأخصائية النفسية المصرية، كمثال يحتذى به في الابتكار والعطاء.. من خلال شغفها بابتكار الألعاب التعليمية الهادفة، أطلقت سها مبادرة “كوميكانو كورنر” وهو مشروع ناشئ متخصص في تصميم وإنتاج أدوات لتنمية مهارات الأطفال ذوي الإعاقة، وتوفير بيئة تعليمية محفزة ومستدامة لهم.
هذه المبادرة، التي ولدت من فهم عميق للتحديات القائمة في مجال تعليم هذه الفئة، تجسد دمج الفن الرقمي وإعادة التدوير لتقديم حلول تربوية وعلاجية مبتكرة.
تأتي مبادرة “كوميكانو كورنر” نتيجة رحلة أكاديمية ومهنية لسها عبد الناصر، التي تحمل شهادة الليسانس في الآداب والتربية من قسم علم النفس عام 2018. لم تكتف بهذا، لكنها واصلت دراساتها العليا في مجال التربية الخاصة والأنثروبولوجيا. هذا التخصص المزدوج منحها منظورا فريدا وشاملا حول تعقيدات النمو البشري والتفاعلات الثقافية، معززا تركيزها على أدق تفاصيل الفرد وما يؤثر فيه.
خلال هذه الفترة، تبلور لديها تساؤل جوهري حول مدى ملاءمة الأدوات التعليمية المتاحة للأعراض المختلفة لذوي الإعاقة، مؤمنة بأن الأدوات التربوية تشكل سلاحا أساسيا وقويا في كل جلسة تعليمية وعلاجية تسعى لتنمية مهارات الأطفال. هذه القناعة هي ما دفعها نحو الابتكار وابتكار أدوات جديدة تسد الفجوات القائمة.
“كوميكانو كورنر” هو مشروع ناشئ متخصص في تصميم وإنتاج أدوات لتنمية مهارات الأطفال ذوي الإعاقة.. ما يميز هذا المشروع هو اعتماده على مبدأ الاستدامة والمسؤولية البيئية، حيث تستخدم سها وفريقها مواد معاد تدويرها مستخلصة من المخلفات البيئية. هذا النهج يقلل من التكاليف، ويغرس أيضًا قيما بيئية لدى الأطفال والمجتمع، ويقدم نموذجا للابتكار الذي يراعي الأبعاد الاجتماعية والبيئية والاقتصادية.. هذا الاختيار للمواد المعاد تدويرها يعالج بشكل مباشر التحدي المتمثل في ارتفاع تكاليف الأدوات التعليمية، مما يجعل منتجات “كوميكانو كورنر” بديلاً اقتصاديا ومستداما.
في قلب ما تقدمه “كوميكانو كورنر” يوجد مفهوم “قصص كوميكس” المصورة. هذه القصص تعد وسيلة ترفيهية، بالإضافة إلى أنها أدوات تعليمية مصممة بعناية فائقة، ويتم تطويرها بالتعاون مع مؤسسات ومكتبات متخصصة تهتم بقضية الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة. بدءا من المهارات المعرفية واللغوية وصولاً إلى المهارات الاجتماعية والعاطفية. علاوة على ذلك، تعمل هذه القصص على تسليط الضوء على القضايا المجتمعية المتعلقة بهم، وتسهم في نشر الوعي وتقديم الدعم اللازم لهم، وبالتالي، تعزيز دمجهم وتقبلهم في المجتمع.. فضلا عن أن استخدام القصص المصورة، بحد ذاته، طريقة مبتكرة لتقديم المعلومات بطريقة مرئية وجذابة، تتناسب بشكل خاص مع أنماط التعلم المتنوعة لدى الأطفال من ذوي الإعاقة.
واحدة من التحديات الرئيسية التي واجهت سها وفريقها كانت متعلقة بالأدوات التعليمية المتاحة في السوق. ارتفعت أسعار هذه الأدوات بشكل ملحوظ، مما أدى إلى تكرار استخدامها لفترات طويلة. هذا التكرار، بجانب الألوان الزاهية والمشتتة التي غالبا ما توجد في القصص التجارية، كان يسبب الملل لدى الأطفال، ويزيد من تشتتهم، خصوصًا أولئك الذين يعانون من فرط الحركة والتوحد.
أدركت سها أن هذه المشكلات تتطلب حلا جذريا ومبتكرا. من هنا، نشأت فكرة مشروعها كاستجابة مباشرة لهذه التحديات، ساعية لتوفير أدوات تعليمية فعالة ومناسبة، وأيضا جذابة ومحفزة، وتأخذ في الاعتبار الاحتياجات الحسية والمعرفية لهؤلاء الأطفال.
لقد نجحت في تطبيق رؤيتها من خلال مشروعها، وتمكنت من توظيف الفن الرقمي وإعادة التدوير لخدمة الأطفال بأسلوب إبداعي فريد. تتعاون في هذه المبادرة مع شريكتها ياسمين مروان، التي تشاركها نفس الإيمان الراسخ بقضية الأطفال ذوي القدرات.. هذا التعاون يمثل نموذجا للشراكة الفعالة، حيث يعمل الاثنان معا على تحقيق حلم مشترك يتمثل في توفير السلام والجودة لهذه الفئة من المجتمع من خلال مشاريعهم، وتسمح هذه الشراكة الاستراتيجية بتوسيع نطاق المبادرة والوصول إلى عدد أكبر من الأطفال.
تم اختيار “كوميكانو كورنر” كواحد من المشاريع المبتكرة ضمن برنامج “صانع المشاريع المبتكر” الذي تقدمه شركة “جيميناي أفريقيا” والمركز الثقافي البريطاني في مصر. هذا الاختيار يعد بمثابة تقدير كبير للجهود المبذولة من قبل سها عبد الناصر وفريقها، ويعكس الابتكار والجودة التي تتميز بها مبادرتهم. الشراكة مع هذه المؤسسات المرموقة توفر لمشروعها منصة أوسع للنمو والانتشار، وتتيح لها الاستفادة من الخبرات والموارد التي يمكن أن تعزز من تأثيرها الإيجابي على المجتمع.
بات مشروعها ملهما في مجال رعاية وتعليم الأطفال ذوي القدرات من خلال دمج الخبرة الأكاديمية بالشغف الشخصي والابتكار العملي، تقدم هذه المبادرة حلولاً ملموسة للتحديات القائمة. يتجاوز تأثيره مجرد توفير أدوات تعليمية؛ حيث أنه يغرس الأمل، ويشجع على الوعي، ويعزز من دمج فئة تستحق من المجتمع.. والتزامها بتحسين جودة حياتهم ورؤيتها في تحويل النفايات إلى أدوات تعليمية قيمة، يجعلان منها رائدة حقيقية في مجالها، ومصدر إلهام للكثيرين.. هذا المشروع يبرهن على أن الابتكار يمكن أن يكون محركا للتغيير الاجتماعي الإيجابي، وأن الشغف الحقيقي يمكن أن يثمر حلولاً تؤثر بشكل عميق ودائم في حياة الأفراد والمجتمعات.