مات قبله ضميرُ العالم.. ارتقاء الطفل عبد الله صاحب صرخة «أنا جعان»

مات قبله ضميرُ العالم.. ارتقاء الطفل عبد الله صاحب صرخة «أنا جعان»

المحرر: محمود الغول - غزة

في خيمة مهترئة يحيطها الخوف والجوع ودخان القصف في أحد أحياء قطاع غزة، ظهر الطفل عبد الله أبو زرقة، وجهه شاحب من الألم، بكاءه يشق الصمت والوجع ، عيناه تنطقان ولا مجيب لصرخته المزلزلة «أنا جعان».

هذه العبارة، التي خرجت على لسانه الجاف، انتشرت كالنار في الهشيم على منصات التواصل الاجتماعي، لترسم في وجدان العالم لوحة بائسة عن جوع يطفئه رغيف خبز و عبوة حليب، لكن الخبز والحليب بعيدان المنال.

أثرت هذه الكلمة في ملايين البشر، وتحول الصغير عدالله إلى أيقونة ورمز لمعاناة آلاف الأطفال الذين يعيشون الموت البطيء تحت حصار خانق في قطاع غزة، غيب عنهم الأمن الغذائي والرعاية الطبية والأمل في غد أفضل.

بيد أن هذه الصرخة، وإن كانت بمثابة نداء استغاثة، لم تكن كافية لإنقاذ عبدالله، فمن خيمة غزة إلى مستشفى بمدينة أضنة التركية، امتدت رحلة الألم التي استسلم لها ليرحل عن الحياة بعد معاناة طويلة وسط صمت وتخاذل مريب من كل من سمع صرخته.

بداية المعاناة داخل القطاع

من خلال شهادة والد الطفل، نعرف أن عبد الله أبو زرقة، 5 سنوات، كان طفلا صحيا قبل اندلاع الحرب «كان يلعب ويجري مثل أقرانه «، يقول الأب. لكن مع اشتداد الحصار وتفاقم نقص الغذاء والدواء، بدأت مؤشرات الانهيار تظهر سريعا: تساقط الشعر، ضعف جسده، فقدان القدرة على المشي والتنفس الطبيعي. ومع استمرار الجوع، ازدادت الحاجة إلى رعاية طبية عاجلة، لكن المستشفيات كانت عاجزة عن توفير الفحوصات والأدوية المطلوبة.

خلال تلك اللحظات، صرخة الطفل «أنا جعان» سجلت محنة لم يكن لها من شهود إلا الموت الصامت الذي يلتهم الأطفال بلا رحمة.

بعد انتشار مقطع الفيديو، تحول عبد الله إلى أيقونة وجهت سهام الانتقاد إلى صمت المجتمع الدولي. صرخته الموجعة  «أنا جعان» أصبحت موضوع نقاش عاجل، وفي داخل الإعلام العربي والعالمي وصفت بأنها شهادة حية على التجويع القسري للأطفال في غزة .

وعلى الرغم من هذا الجدل، لم تتسارع وتيرة المساعدات ولا التسهيلات الطبية. وفي خضم الضجيج، بدا عبد الله كطفل بلا سند، بينما أخذت المنصات تتحول إلى ساحات احتجاج إلكترونية، يحمل فيها الناس الاحتلال مسؤولية موت طفولة لم تتحمل البقاء.

 رحلة العلاج المؤجلة والنهاية المؤلمة في تركيا

بعد شعور الأسرة بالعجز داخل القطاع، قرروا خوض مخاطرة كبيرة،وهي نقل عبد الله إلى تركيا للعلاج. لكن الحياة كانت أقسى من تلك الرحلة. وصلت العائلة إلى مدينة أضنة التركية، أملا في إنقاذ الطفل، لكن حين وصل، كان جسده الضعيف قد تدهور للغاية.

بعد خمسة أيام فقط من وصوله إلى المستشفى، فارق عبد الله الحياة، من دون أن يتمكن من حلم ركوب دراجة، أو العودة للعب مع أقرانه، أو حتى تناول لقمة تشبع جوعه الطفولي، وكتب والده في حزن موجع: «كل ما كان يتمناه هو أن يمشي ويركب عجلة… لكن هذا قضاء الله».

مأساة امتدت إلى شقيقته الرضيعة

ليست مأساة عبد الله وحدها، فقد ظلت شقيقته الرضيعة «حبيبة»، ذات الستة أشهر، في معركة حياة أو موت، كانت تعاني من تضخم في الكبد، تسمم في الدم، وسوء تغذية حاد في ظروف لا تحتمل، بسبب توقف العلاج داخل المستشفيات . والدها وجه نداء عاجلا لإنقاذها: «أنا فقدت ولدي، وحبيبة أملي الوحيد».

فيما أثارت وفاته صدمة، لم يحتمل العالم تكرار سيناريو عبد الله بشقيقته الصغيرة، لذا تصاعدت المناشدات بحرقة إلى المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان لتأمين علاج عاجل لحبيبة وإنقاذها من مصير مماثل.

الأرقام المؤلمة خلف الصرخة

لم تكن قصة عبد الله فردية فوفق تقارير رسمية من وزارة الصحة في غزة، بلغ عدد الذين لقوا حتفهم بسبب سوء التغذية نحو 112 طفلا من بين 263 شهيدا، بينما ما يزال أكثر من 100 ألف طفل ورضيع يواجهون خطر الموت نتيجة نقص الغذاء والدواء.

كما حذرت تقارير «تصنيف مراحل الأمن الغذائي» من أن ما يزيد على 470 ألف شخص دخلوا مرحلة المجاعة الكاملة، فيما يعاني نحو مليون ونصف إنسان من مستويات طوارئ غذائية خطيرة .

ووفق برنامج الأغذية العالمي وبيانات الأمم المتحدة، 80٪ من الوفيات المسجلة كنتيجة للتجويع في غزة هم من الأطفال، وتأخر أو نقص المساعدات الإنسانية يزيد من وتيرة النزيف الإنساني.

ألم يتحول إلى غضب

موت عبد الله لم يمر مرور الكرام، بل دخل ذاكرتنا كجريمة ضمير، على منصات التواصل، انهمر التعاطف والإدانة، وكتب أحد الناشطين:

«أي ضمير عالمي يمكن أن يسمع صرخة الأطفال الجوعى؟ ضمير المجتمع الدولي مات منذ زمن. وغرد آخر: «لا تنسوا عبد الله أبو زرقة… قتله الجوع في غزة حتى وهو على سرير مستشفى بتركيا».

أما الإعلام فوصفت الحادثة بأنها:  «صرخة الطفولة التي كتبت لحنا للرحيل»، و «الطفل الذي أصبح رمزا لتجويع الأطفال في غزة»، فيما لخصت إحدى المنصات: «حزن وغضب يجتاح المنصات».

بعد الرحيل الصرخة باقية

بعد رحيل عبد الله، بقيت كلماته البسيطة «أنا جعان» شاهدة على خذلان العالم. ليس مجرد فيديو عابر، بل صرخة إنسانية تسكن كل من سمع دون تحرك. وسيرة طفولة تبخرت من جوع، تركت وراءها مشهدا قاسيا: طفل فقد الحياة، وآلاف الأطفال الآخرين يغرقون في نفس الألم.

اليوم، لا يترجم الصمت الدولي إلا كوصمة على الضمير الجمعي. وصرخة عبد الله، وإن اختفت أنفاسه، لا تزال تتردد: «أنا جعان».. صرخة للكل، تنادي بواحدة من أبسط الحقوق التي تحرم من الأطفال في زمن الحرب: لقمة وحياة.

المقالة السابقة
مؤسسة مصرية توفر 20 منحة جامعية للطلاب ذوي الإعاقة الحركية
المقالة التالية
كراسي كهربائية من الرئيس الفلسطيني لذوي الإعاقة بـ«طولكرم»

وسوم

أصحاب الهمم (43) أمثال الحويلة (387) إعلان عمان برلين (391) اتفاقية الإعاقة (528) الإعاقة (73) الاستدامة (737) التحالف الدولي للإعاقة (744) التشريعات الوطنية (532) التعاون العربي (402) التعليم (37) التعليم الدامج (38) التمكين الاقتصادي (51) التنمية الاجتماعية (734) التنمية المستدامة. (48) التوظيف (33) التوظيف الدامج (695) الدمج الاجتماعي (604) الدمج المجتمعي (107) الذكاء الاصطناعي (56) العدالة الاجتماعية (52) العقد العربي الثاني لذوي الإعاقة (394) الكويت (56) المجتمع المدني (732) الولايات المتحدة (47) تكافؤ الفرص (727) تمكين (40) حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة (496) حقوق الإنسان (58) حقوق ذوي الإعاقة (68) دليل الكويت للإعاقة 2025 (367) ذوو الإعاقة (91) ذوو الاحتياجات الخاصة. (705) ذوي الإعاقة (263) ذوي الهمم (41) ريادة الأعمال (380) سياسات الدمج (718) شركاء لتوظيفهم (375) قمة الدوحة 2025 (367) كود البناء (366) لغة الإشارة (40) مؤتمر الأمم المتحدة (329) مجتمع شامل (726) مدرب لغة الإشارة (578) مصر (32) منظمة الصحة العالمية (597)