قد يزرعون الدبابات في أحشاء أطفالها ونسائها، وقد يرمونها في البحر أو الرمل أو الدم، ولكنها لن تكرر الأكاذيب، ولن تقول للغزاة: نعم.
هكذا وصف الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش غزة، في نصه النثري «صمت من أجل غزة»، وكأنه يصف غزة اليوم، غزة المحاصرة تحت القصف والتجويع منذ عامين.
ولأن أطفال غزة العُزّل يواجهون عدوًا مجرمًا عديم الرحمة والإنسانية، في عالم يكيل بمكيالين بعد أن اختلّت فيه موازين العدل، فقد كان عامان فقط كفيلين بإصابة أكثر من ٢٠ ألف طفل بإعاقات متعددة، من بين ٣٢ ألف معاق أضيفوا إلى قائمة ذوي الإعاقة في غزة، ليصل عددهم إلى أكثر من ٩٠ ألفًا، معظمهم من الأطفال والنساء.
رسالة إلى أطفال غزة.. سامحونا
في غزة اليوم، لا تعني الطفولة اللعب أو الضحك أو الذهاب إلى المدرسة، بل تعني أن يكبر الطفل قبل أوانه وهو يحمل جرحًا في جسده أو ذاكرة مثقلة بالخوف والفقد.
كثير من الأطفال لم يتعلموا الحروف بعد، لكنهم حفظوا أصوات الطائرات، واعتادوا على رائحة البارود المُختلط بالدم، وعاشوا بين أنقاض بيوت تحولت إلى مقابر لأحلامهم الصغيرة.
أطفال يواجهون حاضرًا قاسيًا لا يليق ببراءتهم، ومع ذلك، فإنهم لا يزالون يبتكرون مساحات صغيرة للحياة، يرسمون على جدران مهدمة، ويضحكون رغم الألم، كأنهم يعلنون أن إنسانيتهم أكبر من آلة العدوان.
هذا الصمود الأسطوري يضعنا جميعًا أمام مرآة ضميرنا: ماذا فعلنا لهم؟ وماذا يمكن أن نفعل؟ إنهم لا يطلبون المستحيل، فقط يريدون أن يعيشوا بسلام، أن يذهبوا إلى مدارسهم دون خوف، وأن يناموا في حضن أمهاتهم دون قصف يفزعهم.
فهل نصرخ بالحق حتى لا يُدفن صوت غزة تحت ركام الصمت؟
إلى أطفال غزة
سامحونا، فنحن نقف جميعًا مقهورين وعاجزين عن إنقاذكم أو التدخل لوقف إجرام العدو، الذي يُبيدكم منذ عامين.
سامحونا، فعزاؤنا الوحيد أننا في «جسور» حاولنا بأضعف الإيمان، أن ننقل معاناتكم ونكون صوتكم، الذي يفضح زيف رواية الكيان الصهيوني، وبذلنا ما في وسعنا لإيصال قصصكم إلى الوطن العربي والعالم أجمع.
تحيةً من القلب لصمودكم، وتحيةً لكل صحفي فلسطيني ما زال يواصل دوره في نقل الحقيقة.
وتحيةً خاصة للزميل العزيز الصحفي الفلسطيني عمرو طبش، الذي أخذ على عاتقه نقل قصص الأطفال المنتهكين في غزة، خاصة أولئك الذين انضموا إلى قائمة ذوي الإعاقة.
عمرو طبش حوّل صفحته الشخصية إلى منصة توثّق بيانات الأطفال وقصصهم، ووفر وسيلة للتواصل معهم. ولولاه لما وصلتنا حكايات كثيرة من غزة، عن أطفال من ذوي الإعاقة محاصرين ومجوّعين، بعيدًا عن أعين العالم.
ورغم الألم والقهر والعجز… أسمع أطفال غزة يتغنون بصوت محمود درويش:
أيّها العابرون على جسدي
لن تمرّوا
أنا الأرضُ في جسدٍ
لن تمرّوا.
محمود كامل
رئيس تحرير جسور


.png)


















































