جسور- ترجمة واعداد: سماح ممدوح حسن
ذكرت وكالة “شينخوا” الصينية للأنباء (China Xinhua News) أن تطورًا طبيًا جديدًا قد يمنح الأمل لمرضى الشلل حول العالم، وذلك بفضل تقنية ثورية تربط بين الدماغ والحبل الشوكي مباشرة.
هذا الإنجاز الطبي الذى يُعد بمثابة معجزة تتطور في مدينة شنجهاي، قد يُغير حياة الملايين ممن يعانون من إصابات الحبل الشوكي. ففي حين يُعد المشي أمرًا بسيطًا لدى معظم الناس، يظل حلمًا بعيد المنال لمن يعيشون مع الشلل. إلا أن أربعة مرضى في الصين تمكنوا مؤخرًا من استعادة قدرتهم على الحركة، بفضل تقنية مبتكرة تُسمى “واجهة الدماغ-الحبل الشوكي”، تم تطويرها وإجراؤها في مستشفى تابع لجامعة فودان بشنجهاي.
كيف تعمل هذه التقنية؟
التقنية تعتمد على نظام متكامل طوره فريق الباحث”جيا فومين” في “معهد فودان لعلوم وتكنولوجيا الذكاء المستلهم من الدماغ”. يقوم هذا النظام بالتقاط الإشارات الحركية من مركز الحركة في الدماغ، ثم يستخدم خوارزميات ذكية لتحليلها، وإرسال نبضات كهربائية دقيقة إلى الأعصاب في الحبل الشوكي، متجاوزًا المنطقة المصابة.
وبخلاف الأجهزة الخارجية المساعدة، تُشكّل هذه التقنية ما يشبه “جسرًا عصبيًا داخليًا”، يربط بين الدماغ والأطراف بطريقة طبيعية، ويُعيد للمريض القدرة على التحكم في أطرافه بإرادته.
حالة “لين” من اليأس إلى الأمل
أحد المرضى الذين خضعوا لتجربة هذه التقنية، يُدعى “لين”، في الثلاثين من عمره، تعرّض لسقوط عنيف قبل عامين، أفقده القدرة على المشي وأجبره على استخدام الكرسي المتحرك. في أكتوبر 2024، شاهد إعلانًا عن تجربة سريرية على صفحة جامعة فودان وقرر التطوع. خضع للجراحة يوم 8 يناير 2025، حيث زُرعت في دماغه”إلكترودات، مستشعرات أو أقطاب كهربائية صغيرة” بقطر 1 ملم، بالإضافة إلى شريحة تحفيز في العمود الفقري، وكل ذلك باستخدام جراحة سطحية.
ما حدث بعد ذلك كان أشبه بالمعجزة: في اليوم الثالث، تمكّن لين من تحريك ساقيه بإشارات دماغه. وبعد أسبوعين، استطاع رفع ساقه اليمنى لتخطي عقبات متحركة. وبحلول اليوم الخامس عشر، مشى لمسافة تزيد على خمسة أمتار باستخدام جهاز دعم خاص.
قال لين “كنت أبكي كل يوم. واليوم، أستطيع المشي من جديد. لا كلمات تكفي لشكر الفريق الطبي على هذا الإنجاز”.
نتائج مماثلة وسرعة مدهشة
حالات مشابهة سجلت تحسنًا سريعًا، إذ أظهر اثنان من المرضى الجدد قدرة على تحريك أرجلهم بعد ساعات فقط من الجراحة، وتمكنوا من رفعها طوعًا في اليوم التالي مباشرة.
مقارنة مع التجربة السويسرية
رغم أن دراسة سويسرية سابقة نُشرت في مجلة Nature عام 2023 استعرضت تقنية مشابهة، إلا أن الطريقة الصينية تتميز ببعض الفوائد. فالتقنية السويسرية تطلبت عمليتين كبيرتين في الجمجمة بفارق زمني طويل، ما زاد من مخاطر العدوى، بينما أنجز الفريق الصيني العملية كاملة خلال 4 ساعات فقط، وبأقل تدخل جراحي ممكن.
والأكثر إدهاشا هو أن المريض “لين” بدأ يُظهر مؤشرات على تجدد الأعصاب بعد أسبوعين فقط، مقارنة بستة أشهر في التجربة السويسرية.
قالت الدكتورة دينج جينج، رئيسة قسم الأعصاب بمستشفى تشونجشان: “كأن الأعصاب التي كانت خامدة استيقظت حينما استُعيد الاتصال بين الدماغ والحبل الشوكي”.
الفحوصات اللاحقة أظهرت تحسنًا تدريجيًا في الإحساس بعضلات الساق، وتزايد التحكم في الحركة والوظائف الجسدية الأخرى.
خطوة نحو المستقبل
الصين تضم اليوم أكثر من 3.7 مليون مريض بإصابات في الحبل الشوكي، ويُسجل حوالي 90 ألف حالة جديدة كل عام. هذه التقنية الجديدة قد تُعيد الأمل لملايين الأسر.
لكن رغم هذا النجاح، لا تزال هناك تحديات أمام تعميم التقنية، مثل نقص الأقطاب المزروعة وتعقيد فك إشارات الدماغ الحركية بدقة. كما أن العلاج حاليًا يقتصر على البالغين القادرين على تحمل جلسات تأهيل مكثفة تتراوح بين 5 و7 ساعات يوميًا.
يسعى فريق جيا، بالتعاون مع مستشفيات مثل تشونجشان وهواشان، إلى تطوير الخوارزميات، وجمع بيانات سريرية إضافية، والاستعداد للتجارب التنظيمية، إلى جانب ابتكار أجهزة قابلة للارتداء لمساعدة الحالات الأخف، وأنظمة ذكية لمراقبة الحركة في المستقبل.