تجددت الدعوات في المملكة المغربية إلى ضرورة الاهتمام بالفتيات ذوات الإعاقة، بإعتبارهن من أكثر الفئات تعرضًا للهشاشة والإقصاء الاجتماعي، وذلك بالتزامن مع احتفالات اليوم العالمي للفتاة .
وبحسب موقع هسبريس المغربي، فإن هؤلاء الفتيات يواجهن شكلين متداخلين من التمييز، الأول قائم على النوع الاجتماعي، وآخر على أساس الإعاقة، ما يجعل قضايا التعليم والتمكين والمشاركة الاقتصادية والاجتماعية أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى.
التمييز المزدوج
لفتت الطالبة المغربية الكفيفة فاطمة عسال، الانتباه إلى ظاهرة خطيرة في المجتمع المغربي، قائلة إن نسبة الفتيات المتزوجات من ذوات الإعاقة في المغرب منخفضة جدًا، بسبب عمق التمييز غير المعلن الذي يطال هذه الفئة، حتى في أكثر الحقوق الإنسانية بداهة.
وتوضح فاطمة الحاصلة على إجازة في القانون العام، أن المجتمع مازال يربط الزواج بالقدرة الجسدية والمظهر الخارجي، متجاهلًا القيم الجوهرية للشراكة والاختيار والاحترام.
وتؤكد فاطمة عسال أن الفتاة من ذوي الإعاقة لا تكتفي بمواجهة صعوبات الإعاقة نفسها، بل تصارع أيضًا ما تسميه «التمييز المزدوج» حيث تتقاطع النظرة التقليدية للمرأة مع الأحكام المسبقة على الإعاقة.
وتوضح أن الفتاة في هذا الوضع كثيرًا ما تعاني من غياب الاعتراف بقدراتها، سواء من المجتمع أو من المؤسسات الرسمية، إذ غالبًا ما يُنظر إليها باعتبارها كائنًا هشًّا يحتاج للرعاية، لا إلى شخص قادر على العطاء والمشاركة.
وتضيف فاطمة أن تمكين الفتيات ذوات الإعاقة يبدأ أولاً بالاعتراف بهن كمواطنات كاملات الحقوق، لهن الحق في التعليم والعمل والكرامة، مشيرة إلى أن العديد من الأسر نفسها تمارس، عن قصد أو دون قصد، نوعًا من الإقصاء الداخلي، حين تثني بناتها ذوات الإعاقة عن استكمال الدراسة أو العمل، أو تضعف ثقتهن في قدراتهن.
هشاشة مضاعفة
تؤكد ناشطات وخبيرات في شؤون الإعاقة أن الفتيات ذوات الإعاقة في المغرب يواجهن تحديات مركبة، لا تتعلق فقط بالعوائق الجسدية أو البيئية، بل أيضًا بنظرة مجتمعية تقليدية تختزلهن في صورة«الضعف المزدوج» بوصفهن إناثًا وأشخاصًا من ذوي الإعاقة في الوقت نفسه.
وتشير المتحدثات إلى أن كثيرًا من الفتيات يُحرمن من فرص التعليم أو التدريب المهني، كما تُقصى نسبة كبيرة منهن من سوق العمل، بل ويُدفع بعضهن إلى العزلة داخل المنازل تحت ذريعة «الحماية» ما يفاقم من تبعيتهن الاقتصادية والاجتماعية، ويحدّ من قدرتهن على الاستقلال الذاتي.
ويظل الحديث عن قضايا مثل الصحة الإنجابية أو العنف القائم على النوع الاجتماعي من الموضوعات المسكوت عنها، حين يتعلق الأمر بهذه الفئة، في ظل غياب برامج تراعي احتياجاتهن الخاصة، وتوفر لهن منصات آمنة للتعبير عن تجاربهن.
غياب التمثيل الإعلامي
تقول الإعلامية بهيجة الخميسي، وهي صحافية مغربية كفيفة عملت في تجارب إذاعية محلية ودولية، إن حضور الفتيات ذوات الإعاقة في الإعلام المغربي ما يزال محدودًا جدًا، وغالبًا ما يظهر في إطارات إنسانية أو موسمية، بدلاً من تقديمهن كفاعلات قادرات على قيادة التغيير وطرح قضاياهن بأنفسهن.
وتوضح أن الإعلام يلعب دورًا محوريًا في تشكيل الوعي المجتمعي، لكنه في كثير من الأحيان يُكرّس الصور النمطية بدل أن يفككها. وترى الخميسي أن التغيير الحقيقي يبدأ من إدماج ذوات الإعاقة في المؤسسات الإعلامية نفسها كصحافيات ومقدمات برامج ومنتجات محتوى، لأن التمثيل من الداخل هو السبيل إلى تغيير الصورة من الجذور.
وتشير إلى أنها من خلال تجربتها في العمل الإعلامي لاحظت أن الكثير من الفتيات يعانين من الخوف من البوح أو الحديث عن معاناتهن، خصوصًا في ما يتعلق بالتحرش أو الاستغلال أو حتى أحلام الزواج، لأنهن يفتقرن إلى المنصات التي تمنحهن الأمان والاستماع، كما يواجهن أحيانًا السخرية أو الشفقة بدل التعاطف الواعي.
وتحكي الخميسي عن فتاة كفيفة التقتها خلال أحد البرامج، قالت إنها تتجنب استخدام العصا البيضاء في الأماكن العامة «ليس لأنها عاجزة عن استخدامها، بل لأن نظرات الناس تجعلها تشعر وكأنها فقدت كرامتها» .
وتعلّق الخميسي بأن هذه الحكاية البسيطة تكشف عمق التمثلات السلبية التي تحاصر الفتيات ذوات الإعاقة، وتحرمهن من الشعور بالأمان في الفضاء العام.
نحو وعي جديد
وتؤكد الخميسي أن دعم الفتيات ذوات الإعاقة لا يقتصر على فتح أبواب المؤسسات، بل يتطلب فتح الأذن والقلب، وإعادة النظر في الخطاب المجتمعي الذي يربط بين الكمال الجسدي والقيمة الإنسانية، وتشدد على أن منح هذه الفئة الحق في التعبير والظهور هو أول خطوة نحو العدالة الاجتماعية الحقيقية.
وترى المتحدثتان أن الطريق إلى التمكين يمر عبر تغيير ثقافي شامل يدمج قضايا الإعاقة في السياسات التعليمية والإعلامية والتشغيلية، ويضمن المساواة في الفرص والحقوق. فالمجتمع العادل هو الذي يعترف بتنوع أفراده، ويمنح لكل إنسان، مهما اختلفت قدراته، الحق في أن يعيش بكرامة، ويُسهم في بناء وطنه على قدم المساواة.