بعد صراع طويل ومؤلم مع مرض نادر، ووسط معاناة من الجوع ونقص العلاج، رحلت الطفلة الفلسطينية حلا الهنادي، ذات الأربع سنوات، عن عالمنا، نهاية مأساوية لطفلة كانت تواجه الموت يوما بعد يوم، وتنتظر بصيص أمل لم يأت أبدا.
كانت قصة حلا قد انتشرت على نطاق واسع في محاولة لإنقاذها. كانت الطفلة تعاني من مرض نادر يسمى تصلب الجلد الجهازي، وهو مرض كانت تتحسن منه ببطء قبل أن تبدأ الحرب في غزة، لكن الحصار الشديد الذي فرض على القطاع منع عنها فرصة السفر للعلاج، وحرمها من الدواء والغذاء الخاص الذي كانت في أمس الحاجة إليه.
لم يكن مرض حلا وحده ما يفتك بها فقد كانت تعاني أيضا من سوء تغذية حاد، حتى وصل وزنها إلى 6 كيلوجرامات فقط، هذه المعاناة الإنسانية المركبة كانت نتيجة مباشرة لواقع قطاع غزة المحاصر، حيث تمنع المساعدات الطبية والغذائية من الدخول، مما يضع حياة الأطفال والمرضى في خطر دائم.
والدا حلا ناشدا العالم مرارا وتكرارا لإنقاذ ابنتهما، لكن كل نداءاتهما لم تجد استجابة. صدرت لحلا أربع إحالات للعلاج خارج القطاع، لكنها لم تقبل أبدا. كانت الطفلة تنتظر فرصة إجلاء لم تأت، وفي النهاية، استسلم جسدها الصغير للمرض والجوع.

وفاة حلا الهنادي ليست مجرد خبر حزين، بل هي تذكير مؤلم بواقع آلاف الأطفال في غزة الذين يواجهون نفس المصير. ففي حين كانت حلا تناضل من أجل حياتها، كانت التقارير الطبية تشير إلى وفاة 67 طفلا بسبب سوء التغذية، وتحذير من أن أكثر من 650 طفلا آخرين يواجهون خطرا مباشرا.
قصة حلا هي شهادة على المأساة الإنسانية التي تحدث في غزة، حيث يصبح حق الحياة مجرد أمنية مستحيلة. هي قصة طفلة “فات عليها الأوان”، كما فات على الكثيرين من أطفال القطاع الذين يموتون أمام أعين العالم. وفاتها تضعنا جميعا أمام مسؤولية إنسانية، وتطرح سؤالا كبيرا: كم طفلا آخر سيموت قبل أن يتحرك الضمير العالمي؟

ما هو مرض تصلب الجلد الجهازي الذي أودى بحياة الطفلة حلا؟
تصلب الجلد الجهازي (Systemic Sclerosis أو Scleroderma) هو مرض مناعي ذاتي نادر ومزمن، يتميز بفرط إنتاج الكولاجين، وهو البروتين المسؤول عن قوة ومرونة الأنسجة في الجسم. يؤدي هذا الإفراط في إنتاج الكولاجين إلى تصلب وتليف الجلد والأنسجة الضامة في الجسم، مما يؤثر على العديد من الأعضاء الداخلية مثل الرئتين، والكلى، والقلب، والجهاز الهضمي.
يُصنف تصلب الجلد الجهازي ضمن الأمراض المناعية الذاتية، وهذا يعني أن الجهاز المناعي للجسم يهاجم أنسجته عن طريق الخطأ، تمامًا كما يهاجم الفيروسات والبكتيريا. هذا الهجوم الخاطئ يؤدي إلى التهاب الأوعية الدموية الصغيرة وتلفها، مما يحفز الخلايا الليفية على إنتاج كميات هائلة من الكولاجين.
واقع تصلب الجلد الجهازي في العالم العربي
في العالم العربي، لا تتوفر إحصاءات دقيقة وشاملة عن مرض تصلب الجلد الجهازي، وذلك بسبب ندرة المرض وصعوبة تشخيصه. ومع ذلك، تشير بعض الدراسات المحدودة إلى تقديرات لوجود المرض في بعض البلدان. ففي مصر، تشير بعض التقديرات إلى أن عدد المصابين بالمرض يصل إلى حوالي 3000 حالة، أي بمعدل انتشار يقارب 30 حالة لكل 100 ألف شخص.
دراسة أخرى أجريت في الإمارات العربية المتحدة وجدت أن معدل الانتشار يبلغ حوالي 7.78 حالة لكل 100 ألف شخص بين المواطنين الإماراتيين. بشكل عام، يتوافق معدل الانتشار في العالم العربي مع المعدلات العالمية التي تتراوح بين 50 و300 حالة لكل مليون شخص. ويلاحظ أن المرض أكثر شيوعًا بين النساء، حيث تبلغ نسبة إصابة الإناث إلى الذكور حوالي 3 إلى 1، ويظهر غالبًا في سن الأربعينات.
هذه الأرقام تظل تقديرية، ولكنها تسلط الضوء على وجود المرض وتؤكد الحاجة إلى زيادة الوعي به، وتحسين آليات التشخيص، وتوفير الرعاية الصحية المتخصصة للمصابين.