يبرز اسم نادر بشير وسط مدينة غزة، الغارقة في الخراب، كبارقة أمل رغم كل شيء، الرجل الخمسيني الذي لم يعرف النور يومًا عرف طريقه إلى العلم حتى حصل على الدكتوراه في إدارة الأعمال، قبل أن يكرّس سنوات عمره لتمثيل شريحة المكفوفين في غزة.
يقول بشير، في حوار خاص مع منصة فلسطين أون لاين، إن الحرب الأخيرة لم تترك للمكفوفين إلا “ظلامًا فوق ظلام” فالحياة التي كانت أصلًا مليئة بالعقبات صارت أكثر قسوة بعد تدمير المراكز التعليمية وتوقف الخدمات الطبية، فيما يجد آلاف المكفوفين أنفسهم بلا عصيّ بيضاء ولا كتب “برايل” وحتى دون طرق مأمونة تعينهم على التنقل.
فالتنقل بين مناطق الإيواء والعودة المتكررة للنزوح أرهق المكفوفين كما يوضح بشير، فالكفيف يعتمد على ذاكرته الحسية لحفظ تفاصيل المكان، لكن حين يتغير المكان باستمرار يفقد قدرته على الاستقلالية.
يقول نادر: كثيرون يعيشون اليوم عالقين بين الجدران والخيام وكأنهم غرباء حتى عن أجسادهم.
أعداد تتزايد
الأرقام تكشف حجم المأساة: يعيش فى القطاع أكثر من 10 آلاف كفيف، وأضافت الحرب الأخيرة آلاف الإصابات الجديدة. وزارة الصحة الفلسطينية أحصت أكثر من 1500 حالة عمى دائم وقرابة 4000 إصابة بصرية خطيرة خلال الشهور الماضية فقط. ومع ذلك يقول بشير أن الاستجابة الدولية شبه غائبة، بينما التوصيات التي تصدرها منظمات إنسانية كمنظمة الصحة العالمية أو مفوضية اللاجئين تبقى بلا تنفيذ.
إحدى الضربات الأقسى تمثلت في توقف التعليم. أكثر من 300 طالب كفيف حُرموا من مدارسهم وجامعاتهم بعد انهيار البنية التعليمية. يوضح بشير بحزن أن جهود سنوات من العمل مع الطلبة ضاعت بين ليلة وضحاها “جيل كامل قد يُكتب له أن يعيش بلا معرفة.”
خطر في كل لحظة
القصف لا يمنح المكفوفين فرصة للهروب، في شهادته يروي بشير كيف يفقد الكفيف فرص النجاة داخل المنازل المستهدفة لأنه لا يستطيع الركض أو تمييز المخارج، وحتى حين ينجو يصطدم بالواقع في مراكز الإيواء حيث تتحول الحركة اليومية إلى سلسلة من العثرات.
رسالة للعالم
برغم كل ذلك يواصل نادر بشير مخاطبة المؤسسات الدولية، مؤكدًا أن قضية المكفوفين في غزة “ليست قضية رفاهية بل حق إنساني بديهي” يدعو لتوفير أدوات مساعدة وإعادة فتح قنوات التعليم والدعم النفسي حتى لا يبقى المكفوفون أسرى حرب وصمت دولي طويل.