قراءة في استراتيجيات مبادرة «تمكين» الرئاسية في مصر، الرامية إلى دعم الطلاب ذوي الإعاقة في الجامعات المصرية، وتوفير بيئة تعليمية شاملة تدعم دمجهم وتمكينهم أكاديميا واجتماعيا.
تنطلق في 25 أكتوبر 2025 المبادرة الرئاسية «تمكين» والتي تهدف إلى تعزيز الوعي بحقوق الطلاب ذوي الإعاقة وتوفير بيئة تعليمية شاملة تدعم دمجهم وتمكينهم أكاديميا واجتماعيا، وتستمر فعاليات المبادرة حتى 30 أكتوبر، بمشاركة واسعة من الجامعات في مختلف أنحاء الجمهورية، ضمن الجهود الوطنية لتحقيق العدالة التعليمية وضمان تقديم الدعم اللازم لهذه الفئة المهمة.
لا يمكن فهم مبادرة «تمكين» كبرنامج منعزل إنما يجب النظر إليها بوصفها تتويجا لتحول أوسع في السياسات الوطنية نحو تعزيز إدماج الأشخاص ذوي الإعاقة، وهذه المبادرة التي أطلقت بناء على تكليف رئاسي تحظى بزخم سياسي استثنائي، مما يرفعها من مجرد مشروع وزاري إلى أولوية وطنية، وهذا الدعم رفيع المستوى يعد عاملا تمكينيا أساسيا يمنح وزارة التعليم العالي ورؤساء الجامعات الغطاء السياسي اللازم لتخصيص الموارد، ودفع عجلة الإصلاحات التي قد تواجه مقاومة داخلية.
وتعد «تمكين» الأداة التنفيذية للحقوق التي كفلها القانون رقم (10) لسنة 2018 بشأن حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، كما تتوافق مع ركائز العدالة الاجتماعية في «رؤية مصر 2030».

أربعة أبعاد لجامعات شاملة
تتبنى مبادرة «تمكين» تعريفا شاملا ومتعدد الأبعاد لمفهوم التمكين، يتجاوز حملات التوعية التقليدية ليرسي أسس بيئة جامعية دامجة ومحفزة، وهذه الهندسة تقوم على أربع ركائز استراتيجية متكاملة، حيث تركز أولا على الإتاحة الأكاديمية من خلال تكييف البيئة التعليمية وتطوير وإتاحة المواد الدراسية بصيغ ميسرة، إضافة الى تدريب أعضاء هيئة التدريس على أساليب التدريس الدامجة.
وثانيا، تسعى الى تحقيق التمكين البنيوي والرقمي، عبر ضمان بيئة جامعية خالية من العوائق المادية والرقمية، حيث وجه وزير التعليم العالي جميع الجامعات بتقديم «تقييم شامل لمدى تأهيل كافة المباني الجامعية للتعامل مع ذوي الإعاقة»، بما يشمل المواقع الإلكترونية ومنصات التعلم.
وتهدف المبادرة ثالثا إلى تحقيق التكامل النفسي والاجتماعي، من خلال خلق ثقافة جامعية داعمة عبر ورش العمل المشتركة، والأيام الرياضية، والفعاليات الثقافية، لمكافحة الوصم وبناء مجتمع قائم على الإحترام المتبادل.
وأخيرا تربط «تمكين» بشكل صريح بين التعليم العالي والاستعداد المهني، عبر تزويد الطلاب بالمهارات المهنية والإرشاد الوظيفي اللازم للمنافسة في سوق العمل.
ومن الجدير بالملاحظة أن إطار عمل المبادرة يدمج بمهارة أجندة تتعلق بالأمن الفكري والوطنية، فعلى سبيل المثال تضمن برنامج ختام المرحلة الأولى «محاضرة حول الأمن القومي ومحاربة الأفكار المغلوطة والمتطرفة»، مما يشير إلى أن الدولة تنظر إلى البرامج الجامعية كمنصات لتعزيز الهوية الوطنية الموحدة.
طالع: مبادرة سعودية لتمكين الطلاب من ذوي الإعاقة مع بداية العام الدراسي
شراكات مع جهات دولية لإحداث التغيير
تعتمد المبادرة على هيكل تنفيذي يجمع بين التخطيط الاستراتيجي المركزي من قبل وزارة التعليم العالي، والتنفيذ اللامركزي عبر التحالفات الإقليمية للجامعات، أما آلية التنفيذ الأساسية فتتمثل في إنشاء مراكز متخصصة لخدمات الطلاب ذوي الإعاقة داخل الجامعات.
وتعتمد المبادرة بشكل كبير على شراكات مع جهات دولية مثل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) وهيئة أمديست، والتي تمتلك عقودا من الخبرة في إدارة البرامج وبناء القدرات، وتخلق هذه الصيغة علاقة تكافلية فالدولة توفر الإرادة السياسية والوصول إلى المؤسسات، بينما يقدم الشركاء الدوليون الخبرة الفنية لإنشاء مراكز الخدمات المتخصصة، ورغم أن هذا النموذج الهجين يسرع وتيرة التنفيذ، فإنه يثير تساؤلات حول الملكية الوطنية والاستدامة المالية على المدى الطويل.
من الاختبار الإقليمي إلى برنامج شامل
يمثل الأسبوع المقرر في الفترة من 25 إلى 30 أكتوبر 2025 لحظة حاسمة لإطلاق مبادرة «تمكين» لكن هذا «الافتتاح الرسمي» يمثل في الواقع مرحلة توسيع النطاق وإضفاء الطابع الرسمي على المبادرة، وليس انطلاقتها الأولى، فالعديد من التقارير توثق أنشطة سابقة للمبادرة، مما يثبت أنها كانت قيد التشغيل في مراحل تجريبية وإقليمية لمدة عام على الأقل.
تحدث الاستدامة الحقيقية عندما لا ينظر إلى وظيفة ما على أنها «مشروع»، بل كمسؤولية تشغيلية أساسية
وبناء على ذلك يأتي حدث أكتوبر 2025 كتتويج لمرحلة تجريبية ناجحة، يمثل الانتقال من الاختبار الإقليمي إلى برنامج وطني شامل، ويقاس نجاح المبادرة على المدى الطويل، ليس بضخامة فعاليات الإطلاق، بل بمدى قدرتها على التحول من نموذج قائم على «المشاريع» و«الفعاليات» إلى نموذج مدمج بالكامل في الميزانيات التشغيلية والخطط الاستراتيجية الأساسية للجامعات.
وتحدث الاستدامة الحقيقية عندما لا ينظر إلى وظيفة ما على أنها «مشروع»، بل كمسؤولية تشغيلية أساسية، مثل المكتبة أو إدارة التسجيل، ولها بند دائم في الميزانية السنوية للجامعة.
ويمكن القول إن مبادرة «تمكين» تمتلك القدرة على إحداث تحول جذري في الجامعات المصرية من خلال مأسسة إدماج ذوي الإعاقة، ويجب على الوزارة أن تضع إطارا وطنيا للرصد والتقييم، وإصدار توجيه عبر المجلس الأعلى للجامعات يلزمها بتخصيص نسبة مئوية دنيا من ميزانيتها التشغيلية لمراكز خدمات ذوي الإعاقة، كما يجب على إدارات الجامعات أن تدمج أهداف «تمكين» بشكل صريح في خططها الاستراتيجية، وربطها بمعايير الاعتماد المؤسسي.
وأخيرا يجب على الشركاء الدوليين العمل مع الجامعات على وضع خطط واضحة لنقل المسؤولية المالية والإدارية للمراكز إلى الجامعات نفسها، بما يضمن الملكية الوطنية والاستدامة الذاتية.