وسط ركام النزوح وصدى البنادق، تتنفس الحياة من جديد داخل جدران دار المايجومة بولاية كسلا السودانية، حيث يستقبل هذا الملجأ أطفالًا من ذوي الإعاقة، ففي الوقت الذى تعاني فيه البلاد انفلات أمني، وانعدام أبسط مقومات الحياة، الماء النقي ورغيف الخبز، وجد الأطفال الذين بالكاد نجوا من آتون الحرب زجاجات الحليب بعد عناء طويل.
يقول وليد صالح مدير دار رعاية الأيتام في تقرير أذاعته قناة الحدث الإخبارية السعودية: “وصل 253 طفلًا، توفي ستة منهم نتيجة الترحيل والمشقة من ولاية الجزيرة إلى ولاية كسلا”.

رحلة نزوح مميتة
القصص القادمة من الخرطوم إلى الجزيرة ثم كسلا، ليست مجرد انتقال مكاني بل رحلة محفوفة بالموت، فقد قضى ستة أطفال أيتام خلال الرحلة بسبب نقص الأكسجين والعلاجات الأساسية، أما الناجون فوجدوا ملاذًا أخيرًا في هذه الدار التي تضم حاليًا 45 طفلًا وصلوا غليها طلبًا للأمان، بعد أن اختنقت أنفاسهم برائحة البارود والدخان الناتج عن اشتباكات لا تهدأ بين قوات الجيش والدعم السريع.
ويضيف مدير الدار: رغم ضيق الإمكانيات بدأت ولاية كسلا مشروعًا جديدًا باسم “الأسَر البديلة والكافلة، هذا من المشاريع التي نُفذت حديثًا على مستوى ولاية كسلا، وقد دخلنا الآن 13 طفلًا ضمن المشروع وفقًا للقوانين واللوائح الصادرة عن وزارة التنمية الاجتماعية”.

أوضاع معيشية معدومة واحتياجات متخصصة
يُجمع القائمون على الدار أن الخدمات شبه معدومة خاصةً لهؤلاء الأطفال الذين يعانون من إعاقات حركية وذهنية، ومع ذلك يحاول الفريق الطبي والإداري توفير ما يمكن لتلبية الحد الأدنى من احتياجاتهم.
ورغم الجوع والحرب يبقى مشهد الطفل الذي يضحك للطبيبة حين تضع سماعتها على صدرهن بعدما تزيل عن وجهه الأنابيب التي توصل الطعام والهواء، وهو يضحك ببساطة كأن الحرب لم تمر من هنا رمزًا لصمود لا يُقهر، ليثبت للعالم أنه أيا كانت احتياجاته فهو مميز.
في هذا المكان المنسي تتجسد إنسانية لا يُمكن طمسها، أطفال كُتب عليهم أن يكونوا في قلب النكبة لكنهم لا يزالون يكتبون قصصًا صغيرة عن الأمل والطفولة والحياة.