التوحد.. اختلاف وإعاقة ومرض في شخص واحد

التوحد.. اختلاف وإعاقة ومرض في شخص واحد

المحرر: عبد الصبور بدر - أمريكا

أثار مقال نشره د. تشاك دينرشتاين مدير المجلس الأمريكي للعلوم والصحة جدلاً واسعاً حول الحدود المتحركة بين مفاهيم الاختلاف والإعاقة والمرض، ودور هذه التسميات في تشكيل نظرة المجتمع إلى حالات مثل التوحد.

يرى دينرشتاين أن الكلمات ليست مجرد أوصاف، بل تحدد من يحصل على الرعاية الصحية والحقوق القانونية والدعم الاجتماعي، ومن يُستبعد أو يُوصم، فبينما يمنح وصف الإعاقة حقوقاً قانونية وفرصاً في التعليم والعمل، يفتح وصف المرض الباب أمام تمويل الأبحاث وتخصيص الموارد، في حين أن مجرد وصف الاختلاف لا يترتب عليه تأثير اجتماعي أو قانوني مماثل.

التوحد بين الطب والمجتمع

التوحد، وفق المقال، يقدم نموذجاً حياً لهذا الجدل. فالأشخاص يتشاركون صعوبات في التواصل الاجتماعي، ميلاً للتكرار، وضيقاً من التغييرات المفاجئة، إضافة إلى فرط أو نقص في الاستجابة للمؤثرات الحسية. وغالباً ما ترافق هذه السمات مشكلات صحية أخرى، مثل اضطرابات الجهاز الهضمي أو فرط الحركة ونقص الانتباه، ما يزيد من تعقيد الحدود بين الاختلاف والمرض.

أما الأشخاص ذوو المهارات الوظيفية المرتفعة يرفضون في الغالب تصنيفهم ضمن فئة المرض، ويفضلون الحديث عن التنوع العصبي. غير أن السياق يلعب دوراً حاسماً، فالبيئة قد تجعل الفارق الفردي عقبة تعيق، كما هو الحال مع الشخص على كرسي متحرك يواجه رصيفاً مرتفعاً دون منحدر مخصص.

خلافات حول النماذج التفسيرية

ينقسم الجدل بين نموذجين رئيسيين. النموذج الطبي يرى التوحد حالة مرضية تتطلب علاجاً وتدخلاً، بينما يركز النموذج الاجتماعي على أن كثيراً من مظاهر «العجز» تنشأ بسبب بيئات غير مهيأة للأشخاص المختلفين عصبياً، ومن هذا المنظور، فإن الإضاءة الفلورية أو الفصول الدراسية الصاخبة قد تكون أكثر إعاقة من السمات العصبية نفسها.

لكن المقال يشير إلى أن كلا النموذجين غير كافٍ بمفرده؛ فالمعاناة الطبية المباشرة مثل الألم المزمن أو السلوكيات المؤذية للذات تتطلب تدخلاً علاجياً، بينما بعض السمات مثل شغف جمع الخرائط أو صعوبة التواصل البصري لا تُعدّ أمراضاً وإنما فروقاً في السلوك.

أثر التوصيفات على السياسات والتمويل

التسميات تترجم عملياً إلى موارد وحقوق. فالقانون الأمريكي للإعاقة يوفر حماية وفرصاً إذا حُمِلت صفة “إعاقة”، بينما يعتمد تمويل الأبحاث من المعاهد الوطنية للصحة أو المؤسسات الخاصة على وجود تعريف مرضي واضح. لذلك، تسعى بعض الأسر للحصول على توصيف طبي لضمان الخدمات، فيما يرفض آخرون مصطلحات توحي بأنهم “معطوبون” يحتاجون للإصلاح.

نموذج هجين

يدعو دينرشتاين إلى تبني نموذج هجين يجمع بين البعدين الطبي والاجتماعي، بحيث يعترف بالأعباء الطبية الحقيقية مع التأكيد على مسؤولية المجتمع في تهيئة البيئات الداعمة، ويشبه الكاتب ذلك بوجود المنحدرات المخصصة لذوي الإعاقة، التي كانت تُعتبر ترفاً في الماضي، ثم أصبحت جزءاً من البنية الأساسية.

 

ويخلص المقال إلى أن التوحد قد يكون اختلافاً أو إعاقة أو مرضاً في آن واحد، وفق السياق وشدة الأعراض، وأن الاعتراف بهذا التعقيد يتيح استجابات أكثر مرونة وإنصافاً، لا تقتصر على التصنيفات الجامدة بل تركز على تلبية احتياجات الأفراد وضمان كرامتهم.

 

المقالة السابقة
هل أصبح سيئ السمعة؟.. مصطلح «دمج» يتحول إلى أداة للتنمر والسخرية
المقالة التالية
3 آلاف منتج ذكي لتمكين ذوي الإعاقة في معرض بالصين

وسوم

أصحاب الهمم (45) أمثال الحويلة (392) إعلان عمان برلين (395) اتفاقية الإعاقة (540) الإعاقة (102) الاستدامة (911) التحالف الدولي للإعاقة (887) التشريعات الوطنية (707) التعاون العربي (419) التعليم (55) التعليم الدامج (55) التمكين الاقتصادي (65) التنمية الاجتماعية (909) التنمية المستدامة. (60) التوظيف (46) التوظيف الدامج (701) الدمج الاجتماعي (615) الدمج المجتمعي (131) الذكاء الاصطناعي (69) العدالة الاجتماعية (56) العقد العربي الثاني لذوي الإعاقة (423) الكويت (66) المجتمع المدني (897) الولايات المتحدة (51) تكافؤ الفرص (896) تمكين (62) حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة (504) حقوق الإنسان (61) حقوق ذوي الإعاقة (75) دليل الكويت للإعاقة 2025 (369) ذوو الإعاقة (124) ذوو الاحتياجات الخاصة. (869) ذوي الإعاقة (435) ذوي الهمم (45) ريادة الأعمال (382) سياسات الدمج (882) شركاء لتوظيفهم (377) قمة الدوحة 2025 (530) كود البناء (371) لغة الإشارة (47) مؤتمر الأمم المتحدة (331) مجتمع شامل (889) مدرب لغة الإشارة (580) مصر (42) منظمة الصحة العالمية (600)