الإسماعيلية – جسور – حوار: سماح ممدوح حسن
من رحم الألم خرجت سهام على، تحمل أثقال الحياة والحديد معًا، متحدية كل قيد فرضته الإعاقة أو التوقعات.، لم تكن قصة سهام مجرد رحلة رياضية، بل ملحمة إنسانية بدأت حين فقدت ساقيها، وهي طفلة بسبب اعتداء غاشم من مدرّسة، لكنها لم تفقد يومًا إرادتها ولا أحلامها.
من مدينة الإسماعيلية، شرق القاهرة، إلى منصات التتويج العالمية، رفعت سهام اسم مصر عاليًا، في بطولات رفع الأثقال، حاصدة عدة بطولات عالمية، وعدة بطولات جمهورية، وميدالية برونزية في بطولة العالم وسط مشاركة أكثر من ثلاثين دولة. خلف كل إنجاز، قصة كفاح لا تعرف الاستسلام، وتواجه العالم وحدها، حاملة رسالة مفادها أن الإعاقة الحقيقية ليست في الجسد، بل في الاستسلام.
في حوارنا مع البطلة المصرية، سنحاول الاقتراب أكثر من روح سهام علي، لنفهم كيف تتحوّل المحنة إلى منحة، وكيف تصير القوة في أضعف اللحظات، وكيف تصنع امرأة واحدة مصدر إلهام لأجيال كاملة.
- كابتن سهام، متى بدأت قصتك مع فقدان ساقيك؟ وكيف كانت أولى سنوات التأقلم؟
بدأت قصتي مع فقدان ساقَيّ الاثنتين عندما كان عمري 9 سنوات، وكنت حينها في الصف الثالث الابتدائي، في أول أيام العام الدراسي، وبالتحديد في أول أسبوع من الدراسة.
كنت قد انتقلت من فصل إلى فصل آخر، فجاءت المُدرّسة وسألت عن الواجب، ثم قالت: “اللي ماعملش الواجب يقف”. فقلت لها: “أنا جديدة في الفصل”.فقالت: “ماليش دعوة”، ثم قامت بضربي بـ”الفلكة” على ساقَيّ الاثنتين، الأمر الذي أدّى إلى احتباس الدم فيهما وتورمهما، مما تسبب لاحقًا في حدوث غرغرينا في الدم، وأوصى الأطباء ببتر الساقين، من فوق الركبة.، وبعد تقديم بلاغ ضد المدرسة، صدر قرار بفصلها من العمل، كما صدر قرار آخر بمنع الضرب في المدارس.
- بعد الحادث، كيف تعاملتِ مع مشاعر الخوف أو الإحباط؟ ومن كان أول من وقف بجانبك؟
تأقلمت بعد شفائي التام من الجرح، وبدأت أتحدى الإعاقة وأرفضها تمامًا. صممت على أن أُكمل تعليمي، وبدأت أعتمد على نفسي، وتعلمت كيف أعيش وأتعايش دون مساعدة من أحد.
تعلمت أن أفعل كل شيء بنفسي: أطبخ، وأغسل، وأنظف البيت… كل شيء، والحمد لله. لم يكن لديّ خوف أو إحباط، لأنني، رغم صغر سني، كنت راضية بقضاء الله. أما أول من وقف إلى جانبي فكان والدي ووالدتي، رحمهما الله، فقد كانا السند الحقيقي لي في بداية الطريق.
- ما دور الأسرة في تعافيك ونجاحك؟
كان لعائلتي دور كبير في تعافيَّ ونجاحي. فرغم حزنهم الشديد عليَّ، فإنهم كانوا يتعاملون معي كإنسانة سوية تمامًا، دون شفقة أو تمييز، وهذا كان له أثر نفسي عميق وإيجابي ساعدني كثيرًا على تجاوز المحنة.
- كيف بدأت فكرة دخولك إلى عالم رفع الأثقال؟ وهل واجهتِ اعتراضات أو استغراب من البعض؟
بدأت علاقتي برياضة رفع الأثقال من خلال حضور تمرين واحد في النادي، أعجبني بشدة. شعرت فيها بالقوة والتحدي، ووجدت نفسي منجذبة إليها منذ اللحظة الأولى. وقررت ممارستها. واجهت اعتراضًا من بعض الناس، لكن اعتراضهم لم يُثنِني، بل كان دافعًا قويًا زادني إصرارًا على ممارسة هذه الرياضة والاستمرار فيها.
- ما التحديات الجسدية أو النفسية التي واجهتكِ في بداية التدريب؟
لم تكن هناك تحديات جسدية أو نفسية، لكن رغم ذلك واجهت صعوبات كبيرة. لم تكن هناك إمكانيات كافية، وكانت الأدوات بدائية جدًا، ولم يكن بالإمكان توفير الفيتامينات بسبب غلاء أسعارها.
ورغم كل هذه الظروف، إلا أنها كانت من أعظم التحديات التي مررت بها في طريقي، حتى وصلت، بفضل الله، إلى ما حققته من إنجازات.
- في ظل غياب إمكانات كافية أحيانًا، كيف تمكنتِ من مواصلة التدريب وتحقيق كل هذه الإنجازات؟
أما الدعم الذي يقدمه النادي لنا كلاعبين، فهو دعم رمزي للغاية، إلى حد لا يمكن تصوره. تكلفة التمرين الواحد 12 جنيهًا، بواقع 13 تمرينًا في الشهر، وإذا تغيبت عن أي تمرين يتم خصم قيمته مباشرة. أما مكافآت البطولات، فهي متواضعة جدًا:
450جنيهًا للميدالية الذهبية،
350 جنيهًا للفضية،
و250 جنيهًا للبرونزية. وكل هذا ينطبق على الأندية فقط، أما المنتخب فالوضع مختلف تمامًا.
- حققتِ إنجازات رائعة على مستوى بطولات العالم، هل تتذكرين شعورك عند رفع علم مصر لأول مرة؟
أكبر إنجاز في مسيرتي كان عندما رفعت علم مصر في بطولة كأس العالم، وحصلت على ميداليتين برونزيتين. كان شعور الفرح في تلك اللحظة لا يُوصف… مزيج من الفخر والتحدي والانتصار.
- ما أصعب لحظة واجهتكِ في مسيرتك الرياضية؟ وما أجمل لحظة؟
أجمل لحظة في حياتي كلها كانت لحظة فوزي بالميداليتين في كأس العالم… لحظة لا تُنسى، شعرت فيها بأن كل التعب والتحديات تحوّلت إلى فخر ونجاح يُرفع له الرأس.
- كيف ترين تعامل المجتمع المصري مع ذوي الإعاقة؟ وما الذي يجب تغييره برأيك؟
للأسف، أرى أن تعامل المجتمع المصري مع أصحاب الهمم لا يزال قائمًا على الشفقة فقط، وليس على التقدير الحقيقي لقدراتنا. نحن، في نظر الكثيرين، “صفر على الشمال”، رغم ما نحققه من إنجازات.
والدليل على ذلك: أنا حصلت على ميداليتين في كأس العالم، فهل كرّمتني أي جهة مسؤولة؟ طبعًا لا. بل إنني سافرت وشاركت في البطولة على نفقتي الخاصة، من دون أي دعم من أي جهة… نهائيًا. أتمنى أن يدرك المجتمع جيدًا أن أصحاب الهمم لا يختلفون في شيء عن غيرهم من الأسوياء، فنحن لا نقلّ عن أي لاعب عادي في الكفاءة أو الإنجاز أو الإرادة.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا يحصل اللاعبون الأسوياء على حقوقهم كاملة، ماديًا، ومعنويًا، وإعلاميًا، بينما نحن، أصحاب الهمم، لا نحصل على أي شيء؟ لا دعم، لا تقدير، لا اهتمام… لا شيء على الإطلاق.
- ما الذي يحتاجه ذوو الإعاقة في مصر فعلًا؟ هل هو المال؟ التشريع؟ النظرة المجتمعية؟
ذوي الإعاقة في مصر يحتاجون إلى الكثير من الاهتمام الحقيقي، لا بالكلام بل بالفعل. نحن بحاجة إلى خدمات وتسهيلات شاملة في كل مجالات الحياة، بدءًا من المصالح الحكومية، ومرورًا بتوفير كراسٍ متحركة مناسبة، ومواصلات مهيّأة، وسكن مجهّز يلبي احتياجاتنا، لكن الأهم من كل ذلك: نحن بحاجة إلى نظرة مجتمع أكثر وعيًا واحترامًا، نظرة ترى فينا القوة لا الضعف، والإرادة لا الشفقة.
- ما الرسالة التي ترغبين في توجيهها للفتيات من ذوي الاحتياجات الخاصة اللاتي يشعرن أن الحلم مستحيل؟
رسالتي لكل الفتيات، ولكل أصحاب الهمم: الحلم ليس مستحيلاً، نحن من يصنع المستحيل، لا للاستسلام، ولا للإعاقة التي تحاول أن توقفنا، الإرادة أقوى، والنجاح لنا مهما كانت التحديات.
- ما خططك القادمة رياضيًا وشخصيًا؟
خططي القادمة رياضيًا: المشاركة في بطولة العالم إن شاء الله، وشخصيًا: أن أجد مسكنًا مناسبًا أعيش فيه بكرامة… ياااارب
- هل لديكِ حلم في تدريب أو إنشاء مركز خاص لتدريب الفتيات من ذوي الهمم؟
حلمي أن يكون لدي نادٍ أضم فيه فتيات من أصحاب الهمم، أدعمهن، وأقوم بتدريبهن ليصبحن بطلات في الحياة كما في الرياضة.
- كيف ترين دور الإعلام في إبراز قصص النجاح مثل قصتك؟ وهل تشعرين أنه منصف؟
رأيي في دور الإعلام أنه مهم جدًا جدًا في إبراز قصص نجاح كل بطل من أصحاب الهمم، لأنه يُحدث فرقًا نفسيًا ومعنويًا كبيرًا، ويمنحنا دفعة قوية للاستمرار… وأنا شخصيًا تأثرت نفسيًا جدًا عندما عدت من كأس العالم ولم أجد أي اهتمام من الإعلام، ولا حتى من محافظتي، ورغم ذلك فأنا مستمرة بإذن الله، لا للاستسلام، ومنتظرة تكريمي من ربنا سبحانه وتعالى.