من قلب تجربة إنسانية تحولت إلى مشروع ريادي رائد؛ استطاعت المصرية إيمان الحسيني، مؤسسة شركة “جوا الحلة” أن تصنع نموذجًا استثنائيًا لتمكين السيدات الكفيفات، عبر التدريب والتوظيف في مجال الطبخ.
نجاح إيمان لم يتوقف عند حدود مصر، بعد أن تُوِّجت بجائزة GIZ الألمانية المرموقة، تقديرًا لدورها في دعم المرأة الكفيفة.
وفي حوارها مع جسور ، روت الحسيني القصة من بدايتها، كاشفةً عن التحديات والإنجازات والرؤية المستقبلية لمبادرتها.
بداية الفكرة
تقول إيمان:”جاءتني فكرة شركة جوا الحلة من عصفورة إلكترونية تغرد في إشارة مرور بمدريد في إسبانيا، سمعتها عندما كنت أنا وأختي في رحلة سياحية هناك.
لاحظنا أنه كلما كانت إشارة المرور خضراء يغرد صوت العصفور، وعرفنا لاحقًا أنه نوع من الإتاحة لذوي الإعاقة البصرية ليعبروا الشارع بأمان دون الحاجة للاعتماد على أحد.
الفكرة ألهمتني، وعندما بدأت أُحترف الطبخ فكرت في ابتكار شيء يخدم المجتمع أنا وأختي، وهي شريكتي في الشركة، بحثنا ووجدنا أن الأمر متاح، حتى أن إحدى الفائزات بمسابقة ماستر شيف الأمريكية كانت كفيفة بالكامل وفازت بـ 250 ألف دولار”.
من كتاب إلى تطبيق
بدأ المشروع بإصدار كتاب “جوا الحلة” بطريقة برايل وكان الأول من نوعه على مستوى الوطن العربي، وحقق رواجًا كبيرًا.
تضيف الحسيني”كلما رأينا اهتمام الكفيفات بالفكرة فكرنا جديًا في التطوير، و أخذنا الخطوة التالية بإطلاق تطبيق على الهاتف بعنوان، جوا الحلة.. طبخ للمكفوفين، يضم وصفات مجانية وكورسات مدفوعة برسوم رمزية تناسب الشريحة المستهدفة، ثم فكرنا في الاستدامة، ورأينا أن الدمج الحقيقي لا يكتمل إلا بأن يعملن في المطبخ، فاختبرنا المتميزات منهن، ومن تنجح يتم توظيفها معنا في الشركة”.
التحديات الأولى
توضح إيمان أن أكبر تحدٍّ كان كيفية الوصول إلى السيدات الكفيفات، وإقناعهن بصدق نوايا المشروع”أنا وأختي عافانا الله من أي نوع من أنواع الإعاقة، لذا كان هناك تخوف من أن يُنظر إلينا على أننا نسعى للاستعراض أو التربح. التحدي الحقيقي كان أن نثبت أن نوايانا صادقة وأن هدفنا الدمج الحقيقي.”
رحلة التطوير والجوائز
لم تكن الحسيني تتوقع كل هذا التطور والشهرة، تقول: “دائمًا ما فكرت في الخطوة الحالية فقط، لكن مع دراسة ريادة الأعمال وخوض مسابقات وحاضنات أعمال كثيرة، حصلنا على دعم بالتعليم والمحاضرات على الإنترنت مع خبراء، ونُقلت إلى مستوى مختلف من الفهم لريادة الأعمال والشرائح المستهدفة، ورغم أن تخصصي الأصلي في الدكتوراه كان ترميم وصيانة الآثار، وكنت محاضرة في كلية الآثار استمتعت بعودتي لدراسة الأعمال. خطواتنا كانت تدريجية ونحن سعداء بها للغاية”.
معاناة الكفيفات الحقيقية
تلفت الحسيني إلى أن أبرز الصعوبات التي تواجه الكفيفات لا تكمن في الطبخ فقط، بل في تعامل الأسر والأهل.
تقول:”عدد كبير من الأهل يرون أن الكفيفات يجب أن يجلسن دون حراك، وإن تحركن فيكون بإذن ومساعدة من الغير، هذا هو التحدي الأكبر بعد معايشتي لهن.
وأكشف حصريًا لـ جسور أننا في بداية الأسبوع المقبل سنتعاون مع إحدى الجمعيات الداعمة لذوي الإعاقة البصرية لتقديم كورس تدريبي يحل هذه المشكلة.
إقناع المجتمع
عن كيفية إقناع السوق بقدرات الكفيفات، تقول: “الأمر تحقق بطريقتين، أولًا قناعتي الشخصية بعد التجربة والمعايشة، وثانيًا التجربة المباشرة مع الناس.
عندما قدمت عينات من طعام طبخته السيدات الكفيفات ورأوا جودته ونظافته وروعة طعمه، اقتنعوا فورًا.
معنى التمكين
ترى الحسيني أن التمكين هو أن تأخذ المرأة الكفيفة حقها الطبيعي، لا يفرض عليها أحد اختيارات معينة أو وجهة نظره.
التمكين هو أن تحقق ما تريده وتطمح إليه بدون قيد أو شرط.
تجربة GIZ والدعم
عن المشاركة في المسابقة، أوضحت: عرفنا عن المسابقة من إعلان رسمي من مؤسسة GIZ الألمانية، وقدمنا عبر استمارة إلكترونية، وتم قبولنا بعدما استعرضنا الفكرة في مؤتمر تكني Techne بالقاهرة، وأُعلن فوزنا أمام الحضور.
أما عن الدعم، فتقول:”الدعم المقدم من تكني كان 40% من قيمة العرض الذي قدمناه لدعم المرأة الكفيفة وربات البيوت، كنا ننفق على مراحل التدريب، ثم نقدم ما يثبت التنفيذ، فتدفع المؤسسة 40% مما صرفناه.
وبالنسبة للدعم الفني فكان متابعة شهرية عبر لقاءات مباشرة أو تفاعلية، وهو ما سهّل علينا الكثير.
شراكات وقصص إنسانية
الحسيني توقع قريبًا بروتوكول تعاون مع إحدى الجمعيات المعنية بخدمة ذوي الإعاقة البصرية، وستكون هناك مفاجآت رائعة، حسب وصفها.
وتحكى عن قصة مؤثرة عايشتها خلال تلك الفترة، تقول: “هناك سيدة كفيفة بالكامل؛ من المنصورة كانت تأتي للإقامة في دار بمدينة نصر خصيصًا لتتعلم الكورسات، حضرت أيضًا ورشة لغير المعاقين وانضمت إلينا هى واثنتان من الكفيفات، خرجت من الورشة في منتهى السعادة، وقالت لي كلمات إنسانية أكدت لي أثر ما أفعله في المجتمع”.
منتجات تحمل قصة
اليوم تقدم “جوا الحلة” منتجات جاهزة ونصف مطهية.
تؤكد إيمان: “العملاء يرسلون لنا تقييمات رائعة طوال الوقت، وهذا هدفنا: جودة المنتج ونظافته وجمال الطعم، و يزداد فخر العملاء عندما يعرفون أن سيدات كفيفات شاركن في صناعته، بدأنا مؤخرًا نفكر أن نضع قصتنا على المنتجات، لنُظهر أن جزءًا من ثمنها يعود لدعم تعليم الكفيفات لمهارات الطبخ فى شركتنا”.
دروس ونصائح
تختم الحسيني قصتها قائلة:”لو رجعت للبداية، ما كنت سأغيّر شيئًا، المشروع أخذ المنحنى الذي تمنيت من الله أن يسيره، بعكس ما يأتي فجأة وينهار فجأة، أشكر الله على هذا التطور الذي علّمني الكثير”.
تقدم الحسيني نصيحة لرواد الأعمال الاجتماعيين، الأولى ابدأ؛ لا تنتظر حتى تكون مثاليًا، لا مكان للمثالية من دون سعي وتجربة، ثم النوايا الصادقة، خصوصًا إذا كان للمشروع أثر مجتمعي.