لم يكن المصاب مجرد فقدان لحاسة من حواسه، بل كان انفصالًا تاما وقاسيًا عن عالم لم يستمتع فيه بطفولته، قبل أن يتم السابعة من عمره، باغتته حمى عنيفة، ذهبت بسمعه إلى غير رجعه، ليبدأ الطفل عبدالله المطيري فاصلا من حياته، منطقة رمادية تفوق استيعابه وقدرته على التعبير ، لكن رغم الصمم كانت إرادة الله أقوى وأرحم، فمن سلبت نعمة السمع وهب العقل والصبر والقدرة على التحدى والنجاح.
عبدالله المطيري مشرف برنامج الصم بجامعة الملك عبد العزيز، والحاصل علي الجائزة العالمية zero project a word لعام ٢٠٢٤ يحكي لـ”جسور” عن أبرز المحطات والمواقف التي عاشها منذ طفولته حتى تحقق عمليا وأكاديميا، يقول :”بعد فقداني السمع ، عشت العديد من المحاولات المرتبكة لفهم حياتي الجديدة ، حتي تعلمت لغة الإشارة ،لغة كاملة جاءتني كما يلقى طوق النجاة للغريق، أعادت إلى نفسي، ومنحتني وسيلة لفهم العالم والتواصل معه بلغة تُشبهني.

وعن معاناته مع فقد السمع وكيف تعايش مع إعاقته المفاجئة، يؤكد: رضيت كامل الرضا عن إعاقتي وبدأت أخطو في رحلتي بجدية، ورغم صعوبة التحديات التي واجهتني في التعليم مثل عدم وجود دمج حقيقي في الفصول، فقد كنت أدرس مع أقراني السامعين، لكن دون وسيلة تواصل فعالة، اعتمدت لفترة طويلة على قراءة الشفاه، وهي وسيلة محدودة جدًا، تُشعر الشخص دائمًا بأنه خارج السياق، يلاحق الكلمات دون أن يدرك المعاني الكاملة كانت هذه الطريقة مرهقة نفسيًا وعقليًا، وتشبه محاولة الاستماع من خلف جدار .
ويضيف عبدالله: رغم تلك المعاناة تفوقت في دراستي ولفرط العناء في الدراسة الذي كان يجعلني أبذل جهودا مضاعفة للتواصل، قررت الالتحاق بجامعة جالوديت في واشنطن دي سي، الجامعة الوحيدة في العالم المصممة بالكامل لتعليم الصم وضعاف السمع بلغة الإشارة ،ومنذ أول يوم أدركت أنني دخلت إلى عالم مختلف تمامًا ،وللمرة الأولى، كنت قادرًا على التواصل الكامل مع الأساتذة والطلاب، أشارك وأناقش وأبني فكرتي وأتطور بسهولة، تعلّمت منهم كيف أرى الصمم ليس عقبة، بل هوية، و أن الصم ليسوا بحاجة إلى “إصلاح”، بل إلى تمكين واحترام وبيئة دامجة.
ويستطرد في حديثه قائلا: هذا التحول الفكري غيّر خططي المستقبلية بالكامل، تفوقت في دراستي ثم حصلت علي ماجستير في علوم التواصل ، وبعدها قررت أن أعود إلى السعودية، لأساهم في بناء بيئة مشابهة هنا، تُتيح لغيري من الصم ما لم يكن متاحًا لي في البداية ، تخصصت في مجال تعليم الصم وعملت مدرسا بجامعة الملك عبد العزيز ،ووضعت معايير قبول تراعي احتياجات الطلاب الصم ، كما أنشأت بيئة تعليمية داعمة، تشمل الترجمة الفورية بلغة الإشارة، والمرافق التيسيرية، والتدريب الأكاديمي للهيئة التدريسية ، عملت أيضا على تقييم الأداء الأكاديمي للطلاب الصم وضمان دمجهم الكامل في النظام الجامعي، كما قدمت أكثر من 1000 ساعة تدريبية في لغة الإشارة السعودية والأمريكية استهدفت هذه الدورات معلمين، طلابًا، مختصين، ومقدمي خدمات.
ولأن سلسلة النجاح حلقاتها متصلة – حسب وصف عبدالله – فوزت بجائزة “Zero Project Award 2024”وهي جائزة عالمية تُمنح للمبادرات الأكثر تأثيرًا في مجال سهولة الوصول للأشخاص ذوي الإعاقة ،نلت الجائزة عن مشروع متكامل قمت بقيادته لتطوير بيئة جامعية دامجة، تُوفر وصولًا أكاديميًا ومجتمعيًا كاملاً للطلاب الصم في جامعة الملك عبدالعزيز وتسلمت جائزتي في مقر الأمم المتحدة في فيينا، مما جعلني اشعر انه تتويجًا عالميًا لجهود محلية رائدة.