تفجرت أزمة سياسية في بريطانيا بسبب الأموال المخصصة لدعم ذوي الإعاقات الذهنية، بشكل خاص، مع اقتراب موعد الإعلان عن الميزانية البريطانية المقبلة، التي توصف بأنها محورية.
إذ تتعرض هذه الميزانيات للتشكيك دائما، ولا تجد الاهتمام الكافي من الإعلام السياسي، وبحسب موقع Byline Times ، كشف ديوان المحاسبة الوطني، أن السلطات المحلية تنفق نحو ملياري جنيه إسترليني سنويًا، على نقل الأطفال ذوي الإعاقات إلى المدارس، وهو رقم استقبله السياسيون والصحفيون اليمينيون بترحيب واضح، معتبرين أنه دليل على الإنفاق المفرط.
وفي الوقت الذى تتأجل إصلاحات نظام التعليم والاحتياجات الخاصة SEND كثيرا، بينما تخضع إعانات الرفاه الاجتماعي لتدقيق صارم، يُجبر معه المستفيدون على إثبات أنهم معاقون بما يكفي، ليستحقوا الدعم.
ما علاقة النازيون بأزمة دعم ذوي الإعاقات الذهنية في بريطانيا؟
يقول الكاتب ستيفن أونوين، إن المدافعين عن دعم ذوي الإعاقات الذهنية، يتجنبون عادة الحديث عن المال، لأن الخطاب العام يصوّرهم على أنهم عبء مالي على المجتمع، محذرا من تكرار هذا المنطق اللاإنساني، الذي استخدمه النازيون لتبرير سياساتهم الإجرامية.
ورغم وجاهة التحذير من هذه اللغة، يرى أونوين أن الوقت حان «لنتبع هذه الأموال فعلًا» وأن نكشف أن الحسابات المالية أكثر تعقيدًا مما يُروّج له سياسيًا.
الحقيقة، كما يوضح الكاتب، أن دعم ذوي الإعاقات الذهنية مكلف نسبيًا، لأنهم يحتاجون إلى دعم فردي مستمر، لكن الخطأ يكمن في المقارنة المجتزأة، التي تُظهرهم كخسارة مالية، مقابل أشخاص عاديين لا يكلّفون الدولة شيئًا.
ويضرب مثالًا بضرورة احتساب تكلفة تعليم الطفل العادي، نحو 8000 جنيه سنويًا، عند مقارنة الإنفاق على التعليم الخاص، وكذلك خصم تكاليف الرعاية الصحية والخدمات الاجتماعية، التي يحصل عليها غير المعاقين، قبل وصف ميزانية الإعاقة بأنها «عبء».
يكشف أونوين عن حقيقة قاسية، أن متوسط عمر الرجل الأبيض ذي الإعاقة الذهنية في بريطانيا لا يتجاوز 63 عامًا، مقارنة بـ81 عامًا لبقية السكان.
وتصف الباحثة سارة رايان هذه الظاهرة في كتابها «الصحة الحرجة والإعاقات الذهنية» بأنها شكل من أشكال«القتل الاجتماعي» لأن هؤلاء الأشخاص يموتون في الغالب، قبل أن يستفيدوا من معاشات التقاعد، أو المزايا المخصصة لكبار السن.
أي أن الحياة القصيرة تكلّف الدولة أقل، وهي حقيقة موجعة لكنها تكشف عمق اللامساواة.
معاناة الأسر البريطانية في دعم ذوي الإعاقات الذهنية
العائلات ليست بمنأى عن هذه المعاناة، فالكثير من الآباء يضطرون إلى ترك وظائفهم لرعاية أبنائهم، من ذوي الإعاقة الذهنية بالتحديد، ما يؤدي إلى ضغوط مالية ونفسية متزايدة.
ويشير تقرير منظمة سكوب المعنون بـ«ثمن الإعاقة» إلى أن الأسر التي تضم شخصًا يعاني إعاقة، تحتاج إلى نحو 1095 جنيهًا إضافيًا شهريًا، للحفاظ على مستوى المعيشة نفسه للأسر الأخرى، أي أن الدعم الحكومي بالكاد يغطي الحد الأدنى من الكرامة الإنسانية.
يشير أونوين إلى أن الجزء الأكبر من الأموال يُنفق عبر السلطات المحلية، على التعليم والسكن والرعاية الاجتماعية، لكن جزءًا كبيرًا يُهدر في إدارة النظام نفسه.
مثلا، تُنفق السلطات حوالي 60 مليون جنيه سنويًا على مواجهة أولياء الأمور في محاكم التعليم الخاص، وغالبًا ما تصدر الأحكام لصالح الأسر، وهو ما يعدّ هدرًا فادحًا للأموال العامة.
كما ينتقد أونوين قرار بعض السلطات رفض تمويل نقل الطلاب ذوي الإعاقة من سن 16 إلى 18 عامًا، بحجة ارتفاع تكلفة سيارات الأجرة المخصصة لهم، متجاهلين أن الحافلات المحلية الأرخص كانت متاحة قبل خصخصة خدمات النقل.
في الأشهر الأخيرة، طُرحت فكرة إلغاء خطط التعليم والرعاية الصحية لتقليل الإنفاق، لكن الكاتب أونوين يرى أن ذلك «يشبه إطلاق النار على حامل الرسالة».
هل يلغي دعم ذوي الإعاقات الذهنية
فهذه الخطط ليست ترفًا، بل أداة ضرورية لتشخيص الاحتياجات، وضمان أفضل الفرص للأطفال ذوي الإعاقات، ويضيف أن اختلال المساواة في الحصول على هذه الخطط، لا يبرر إلغائها، بل يستدعي تحسينها، وجعلها أكثر مرونة وإنصافًا.
من بين أكثر القضايا إثارة للجدل، يشير أونوين إلى الأرباح الضخمة ،التي يجنيها القطاع الخاص، من تشغيل المدارس الخاصة، والأكاديميات ومراكز الرعاية السكنية، حيث يستفيد المستثمرون والمديرون من الرسوم التي تدفعها السلطات المحلية.
وهكذا، تتحول قضية الرعاية إلى سوق مغلق للمكاسب الخاصة، بينما يستمر الخطاب العام في إلقاء اللوم على ذوي الإعاقة وأسرهم.
ويختتم الكاتب مقاله بدعوة صريحة إلى إعادة النظر في كيفية إدارة التمويل العام، بدلًا من تحميل الأشخاص ذوي الإعاقات الذهنية وأسرهم مسؤولية التكاليف.
فالمشكلة، كما يقول، ليست فى هؤلاء، بل في النظام غير الكفؤ الذي يدير أموالهم باسمهم، وما يجب ألا يحدث أبدًا، هو أن يُقال لهؤلاء أو لعائلاتهم إن أحبّاءهم «لا يستحقون المال».


.png)















































