في شوارع مقاطعة “هانان” الصينية تنطلق كل مساء سيارة أجرة ليست كغيرها. من خلف المقود تجلس تشانج كونج كونج، شابة في السابعة والعشرين من عمرها، وفى المقعد الخلفى يرقد صغيرها “مومو” المصاب بمرض ضمور العضلات الشوكي. يسترخي بنصف ابتسامة بينما تراقبه أمه من المرآة كل بضع دقائق.
لم يكن الطريق إلى هذا المشهد مفروشًا بالرحمة بل بالقرارات القاسية والتضحيات العميقة. فعندما شُخّص طفلاها، مومو وشقيقته الكبرى بهذا المرض المنهك بعام 2018، قررت تشانج أن تترك وظيفتها كمعلمة في رياض الأطفال وتبدأ رحلة جديدة ربما أقل استقرارًا لكن أكثر إنسانية: سائقة أجرة، تصطحب ابنها المعاق إلى العمل يوميًا بعد انتهائه من جلسات العلاج.
زوجها تشاو يعمل سائق”أوناش” ويعتني بابنتهما بينما تتولى تشانج مسؤولية مومو. لم يكن هناك بديل. فالعلاج لا ينتظر ولا الرعاية يمكن تأجيلها.
التاكسي الذي تحوّل إلى دفتر رسائل
بمرور الوقت، تحوّل التاكسي إلى مساحة دافئة. علقت تشانج لافتة صغيرة على ظهر المقعد الأمامي كتبت عليها “أتمنى لكم يومًا سعيدًا” لم تكتفِ بذلك بل بدأت تدعو الركاب لكتابة رسائل قصيرة لابنها. يتركونها في السيارة كما لو كانت أزهارًا صغيرة تنبت بين الحزن والصبر.
من هذه الرسائل”أمك سيدة رائعة مثلك تماما” و”رغم صعوبة الرحلة سنصل إلى وجهتنا إذا واصلنا الطريق”
تزين أركان السيارة الآن أكثر من 200 رسالة. بعضها متواري خلف أوراق نقدية صغيرة في مبادرات عفوية من ركاب تأثروا بالقصة. أحدهم أخفى مبلغ 200 يوان وطلب من مومو أن يحتفظ بالسر حتى يغادر. وآخر ترك 10,000 يوان دون كلمة.
حين تصبح الأم سائقًا وممرضة وأملًا متحركًا
تقول تشانج إن معظم الركاب يُفاجَؤون بوجود طفل في المقعد الخلفي. لكن ما إن تشرح لهم السبب حتى يتحول التوتر إلى دعم والكلمات العابرة إلى عبارات مشجعة والرحلة القصيرة إلى درس في الحياة.
“نعم، إنها سيارة أجرة لكنها أيضًا ملاذ. مكان صغير نُثبت فيه أنا ومومو أن الحب قادر رغم كل شيء”، تقول تشانج بابتسامة متعبة لكنها فخورة.
حكاية عن الأمهات والأمل
لقّبها الصينيون ب”أكثر سيارة أجرة فوضوية، لكنها الأكثر حبًا في البلاد” ليست فوضى الأوساخ بل فوضى المشاعر المعلقة على الأركان والملاحظات التي تروي أكثر مما تكتبه.