يشهد الطلبة ذوو الإعاقة في جامعات قطاع غزة واحدة من أكثر المراحل قسوة في تاريخ التعليم العالي، بعد أن دمرت الحرب معظم مقومات الحياة الأكاديمية، وأغلقت الجامعات، وانهارت البنية التحتية، وتوقفت الخدمات المساندة التي كانت تمثل شريان الأمل لهذه الفئة. يعيش هؤلاء الطلبة اليوم صراعًا مضاعفًا بين قسوة الإعاقة وقسوة الحرب، وسط غياب شبه تام للدعم النفسي والتقني واللوجستي الذي يضمن لهم حقهم في التعليم الجامعي.
كفاح يومي من أجل البقاء
وحسب تقرير لموقع «فلسطين أون لاين»، فإن واقع الطلبة ذوي الإعاقة في غزة بات مأساويًا، حيث أشار مسؤول برامج ذوي الإعاقة في الإغاثة الطبية الفلسطينية مصطفى عابد إلى أن أحلام هؤلاء الطلبة تحوّلت إلى كفاح يومي من أجل البقاء.
وقال عابد إن الجامعات التي كانت تعمل قبل الحرب على تعزيز دمج الطلبة ذوي الإعاقة عبر تجهيزات خاصة مثل المصاعد والمنحدرات والأجهزة المساعدة، تعرضت لأضرار جسيمة جعلت معظمها غير صالح للاستخدام، مضيفًا أن نحو 90% من هؤلاء الطلبة توقفوا عن الدراسة بسبب الدمار والنزوح وفقدان الأجهزة التعويضية.
الدمار حول الجامعات من فضاءات للاندماج والمساواة إلى ذكرى مؤلمة
وأوضح عابد أن الطلبة فقدوا أدواتهم التعليمية التي كانت تمكّنهم من متابعة دراستهم، من كراسٍ كهربائية وسماعات طبية وأجهزة كمبيوتر محمولة لذوي الإعاقة البصرية، إلى جانب فقدان مساكنهم ولجوئهم إلى مراكز إيواء لا تتوفر فيها أي وسيلة تعليمية.
وأكد أن الوضع النفسي لهؤلاء الطلبة ازداد سوءًا خلال الحرب، إذ حوّل الدمار الجامعات من فضاءات للاندماج والمساواة إلى ذكرى مؤلمة، مشيرًا إلى أن معدلات الاكتئاب ارتفعت بشكل لافت، خصوصًا بين من فقدوا زملاءهم أو أفرادًا من أسرهم.
وبيّن عابد أن خيار التعليم الإلكتروني الذي تبنّته بعض الجامعات لم يكن حلاً فعّالاً لهذه الفئة، نظرًا لاحتياجهم إلى تفاعل مباشر مع المحاضرين وإلى أجهزة تكنولوجية خاصة. ومع انقطاع الكهرباء، وضعف الإنترنت، وغياب التجهيزات المناسبة، تحوّل التعليم عن بُعد إلى حل شكلي لا يلبّي احتياجاتهم الفعلية.
الجهود لا تزال محدودة مقارنة بحجم الكارثة
وأضاف أن الإغاثة الطبية الفلسطينية تبذل جهودًا كبيرة بالتعاون مع مؤسسات محلية ودولية لتخفيف المعاناة، من خلال برامج دعم نفسي واجتماعي وجلسات جماعية، فضلًا عن محاولات لتوفير أجهزة بديلة تساعد الطلبة على استئناف دراستهم حال تحسن الأوضاع.
وأشار إلى أن هذه الجهود لا تزال محدودة مقارنة بحجم الكارثة، داعيًا المجتمع الدولي إلى تحمّل مسؤولياته القانونية والإنسانية تجاه الأشخاص ذوي الإعاقة، وفقًا لاتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة لعام 2006، التي تضمن لهم فرصًا متكافئة في التعليم الجامعي.
انتهاك صارخ للمواثيق الدولية
وقال عابد إن ما يجري في غزة يُعد انتهاكًا صارخًا للمواثيق الدولية، لأن الطلبة ذوي الإعاقة لم يفقدوا فقط فرصهم التعليمية، بل جُرّدوا من كرامتهم ومن حقهم في بيئة آمنة وعادلة.
ولفت إلى أن الحرب خلّفت أيضًا طلبة جدداً من ذوي الإعاقة نتيجة الإصابات المباشرة، ممن فقدوا أطرافهم أو بصرهم، وهؤلاء يحتاجون إلى إعادة تأهيل ودعم نفسي وطبي طويل الأمد قبل العودة إلى مقاعد الدراسة.
وأشار إلى أن الإغاثة الطبية تعمل بالتنسيق مع وزارة التعليم العالي والجامعات لإعداد برامج دعم متخصصة في المرحلة المقبلة، تشمل إنشاء وحدات جامعية لخدمة الطلبة ذوي الإعاقة، وتوفير إرشاد نفسي وتقني لهم، وتدريب أعضاء هيئة التدريس على أساليب التعامل مع احتياجاتهم الخاصة، بما يضمن عودتهم التدريجية إلى الحياة الجامعية.
واختتم عابد حديثه قائلاً إن الطلبة ذوي الإعاقة في غزة رغم كل ما مرّوا به ما زالوا يتمسكون بالأمل في مستقبل أفضل، مشيرًا إلى أن إرادتهم في مواصلة التعليم تمثل بريقًا إنسانيًا وسط هذا الركام، لكنها تحتاج إلى رعاية حقيقية وجهود دولية جادة لإعادة بناء منظومة تعليمية شاملة وعادلة تضمن أن لا يُترك أي طالب خلف الركام.


.png)


















































