«ليلتك يا عبيد النهاردة»..  مينا أبو الدهب «عملاق» الأداء في الدراما المصرية

«ليلتك يا عبيد النهاردة»..  مينا أبو الدهب «عملاق» الأداء في الدراما المصرية

المحرر: محمود الغول - مصر
السيدة انتصار السيسي، حرم الرئيس الصمري عبد الفتاح السيسي تكرم الفنان مينا أبو الذهب - أرشيفية

لطالما وضع قصار القامة في الدراما العربية داخل قوالب نمطية ضيقة، إما على هيئة كراكتر كوميدي يُستدعى لإضحاك الجمهور، أو كشخصية باهتة لا يتجاوز دورها إثارة الشفقة، غير أن مسلسل ولاد الشمس الذي عرض في موسم دراما رمضان الماضي قلب هذه المعادلة حين قدّم الفنان المصري مينا أبو الدهب بدور عبيد نموذجاً مغايراً تماماً، لم يعد قصير القامة مجرد تفصيلة شكلية أو أداة هامشية، بل تحوّل إلى شخصية محورية من لحم ودم، تحمل تناقضات إنسانية وصراعات نفسية عميقة.

كسر أبو الدهب نمطية الكراكتر وأثبت أن جوهر الموهبة لا يقاس بالمظهر الخارجي، بل بقدرة الممثل على النفاذ إلى وجدان المشاهد والتأثير فيه بصدق وإبداع، وربما كان هذا الدور سببا رئيسا في اختيار مينا لتكريمه في حفل افتتاح الدورة الأخيرة من ملتقى أولادنا لذوي القدرات الخاصة في مصر.

منذ اللحظة الأولى، لم يظهر «عبيد» باعتباره شخصية هامشية أو مجرد تابع، بل كان محورا أساسيا في الأحداث بصفته الذراع اليمنى لـ«بابا ماجد» (محمود حميدة)، أصبح جزءا لا يتجزأ من نسيج القصة، تتقاطع مصائره مع مصائر الأبطال الكبار، ولم يكن مجرد خادم بل عقلية مضطربة ومتناقضة تحرك الأحداث في اتجاهات غير متوقعة.

النقاد رأوا في «عبيد» نقلة نوعية في كتابة الشخصيات الفرعية، حيث لم يعد المظهر الخارجي هو المحدد، بل تم الاشتغال على البعد النفسي والسلوكي، وهنا جاء أداء مينا أبو الدهب ليترجم هذه الرؤية إلى واقع حي على الشاشة.

الفنان مينا أبو الذهب في مشهد من مسلسل أولاد الشمس
الفنان مينا أبو الذهب في مشهد من مسلسل أولاد الشمس

سيكولوجية متناقضة
ما ميز عبيد أن شخصيته لم تكن مسطحة فهو في آن واحد مخلص وناقم، ضعيف وقوي محب وقاس، تلك التناقضات ظهرت بوضوح في مشاهد علاقته المعقدة ببابا ماجد الرجل الذي أنقذه من حياة «نمرة في السيرك»، واحتواه نفسيا لكنه في الوقت نفسه كان مصدر قهره وألمه، هذه العلاقة الملتبسة عبر عنها أبو الدهب بجملة مؤثرة «هو أبويا.. بكرهه، بكرهه قوي».

سر هذا العمق لا يعود فقط إلى النص أو الإخراج، بل إلى خلفية الفنان نفسه فمينا أبو الدهب مدرس لعلم النفس، وهو ما منحه أدوات لفهم دوافع الشخصية وتحليل تناقضاتها، ولم يتعامل مع عبيد كشرير نمطي، بل كإنسان له دوافع، يحب ويكره، ويبحث عن أمان مفقود.

نجاح عبيد لم يكن وليد الصدفة حيث بدأ مينا مشواره على خشبة مسرح الجامعة عام 2004، قبل أن ينتقل إلى مسارح قصور الثقافة، حيث صقل موهبته عبر أدوار متعددة ورغم مشاركاته الصغيرة في مسلسلات مثل الكبريت الأحمر ولمس أكتاف وبدل الحدوتة تلاتة، فإن ولاد الشمس كان بمثابة انطلاقة حقيقية، قدم فيها نفسه كفنان من طراز خاص.

يقول أبو الدهب إنه رفض طوال مسيرته أن يختزل في «كراكتر» أو مجرد «إفيه»، بل أراد أن يقدم كإنسان كامل الأبعاد وقد ساعدته بيئة العمل التعاونية، خصوصا وقوفه أمام محمود حميدة، الذي وصفه بأنه «قدوة في الاجتهاد»، فيما منحته دنيا ماهر (أمينة)مساحة لإظهار جانب رومانسي لم يكن يعتقد أنه قادر على تجسيده.

الفنان مينا أبو الذهب في مشهد من مسلسل أولاد الشمس
الفنان مينا أبو الذهب في مشهد من مسلسل أولاد الشمس

ومن بين جميع المشاهد كان مشهد محاولة انتحار «عبيد» في الحلقة الأولى هو الأصعب فقد تطلب الأمر الحفاظ على نفس درجة الانفعال والضغط النفسي على مدار أيام تصوير متواصلة، ودون حوار تقريبا،وكان الاعتماد كاملا على لغة الجسد والتعبير البصري وهذا المشهد تحديدا صار حديث الجمهور والنقاد، وأثبت أن الأداء الجاد قادر على نقل المشاهد إلى عمق التجربة النفسية.

الجمهور وردود الأفعال
المفاجأة الكبرى لمينا كانت في التفاعل الجماهيري فبعد عرض المسلسل، لم يعد قادرا على السير في الشارع بسهولة، إذ كان الناس ينادونه باسم «عبيد» تارة بمحبة، وتارة بكلمات غاضبة من أفعال الشخصية وصل الأمر إلى أن يعزل نفسه في البيت أياما، غير مصدق أن الجمهور «صدق الشخصية» لدرجة الخلط بينها وبين الممثل.

النقاد بدورهم لم يترددوا في وصف أدائه بـ«المفاجأة الكبرى»، مشيدين بتمكنه من تجسيد شخصية متناقضة بصدق نادر.

نجاح عبيد ليس مجرد إنجاز شخصي لمينا أبو الدهب، بل هو لحظة فارقة للدراما العربية إذ أثبت أن الشخصيات لا تقاس بأطوال أصحابها، بل بعمقها النفسي وصدقها الفني. فتح الباب أمام إعادة التفكير في كيفية كتابة الأدوار لذوي القامة القصيرة بعيدا عن القوالب القديمة.

الإرث الذي يتركه «عبيد» يتمثل في أنه برهن أن الفن الحقيقي قادر على كسر الحواجز، وأن الموهبة حين تلتقي بالوعي النفسي والصدق الإبداعي، يمكنها أن تغير قواعد اللعبة.

المقالة السابقة
تقرير رسمي يثير الجدل حول وضع ذوي الإعاقة في سوق العمل البريطاني
المقالة التالية
كراسٍ متحركة مجانية للطلاب ذوي الإعاقات الحركية بالجامعات المصرية

وسوم

أمثال الحويلة (394) إعلان عمان برلين (397) اتفاقية الإعاقة (573) الإعاقة (122) الاستدامة (986) التحالف الدولي للإعاقة (961) التشريعات الوطنية (759) التعاون العربي (429) التعليم (71) التعليم الدامج (61) التمكين الاقتصادي (75) التنمية الاجتماعية (982) التنمية المستدامة. (70) التوظيف (56) التوظيف الدامج (724) الدامج (49) الدمج الاجتماعي (625) الدمج المجتمعي (148) الذكاء الاصطناعي (76) العدالة الاجتماعية (62) العقد العربي الثاني لذوي الإعاقة (428) الكويت (74) المجتمع المدني (968) الولايات المتحدة (57) تكافؤ الفرص (963) تمكين (72) حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة (518) حقوق الإنسان (66) حقوق ذوي الإعاقة (86) دليل الكويت للإعاقة 2025 (370) ذوو الإعاقة (138) ذوو الاحتياجات الخاصة. (933) ذوي الإعاقة (483) ذوي الهمم (49) ريادة الأعمال (386) سياسات الدمج (950) شركاء لتوظيفهم (381) قمة الدوحة 2025 (572) كود البناء (372) لغة الإشارة (56) مؤتمر الأمم المتحدة (336) مجتمع شامل (957) مدرب لغة الإشارة (607) مصر (59) منظمة الصحة العالمية (628)